فتحت الإمامة بمبدأ الخروج على الحاكم الظالم، دواعي الحرب والنزاع، ومع بقاء الحاكم الظالم ظلت الدولة نهباً للطموح. لا يعني ذلك، تمجيد مقولة الطاعة لولي الأمرِ. لكن ما دام الحكم متروكاً لنوايا المطالب به فليس ثمة نجاة. تتمسح النوايا بالتظاهر، ومسوح الرهبان تسوغ خداع الناس. لم تبن الإمامة مؤسسة حكم، إنما ارتجال يستحوذ على الدين، يفتحه على الأهواء. الزعم بأحقية الحكم، ادعاء يؤسس باستمرار لعوامل الانشقاق.
هل يرغب الحوثي اليوم في إعادة إمامة تقوم على مركزية معقدة من بيروقراطية الدولة، وثيوقراطية السماء؟.
لم تحسم كل السلطات الدينية السابقة مسألة التنازع على السلطة، سوى باحتكار الطاعة. وعندما يقوم مبدأ الطاعة على السيف والمال، تكون دواعيه أكثر عرضة للتغير.
سلطة رجال الدين، ادعاء ناقص يختلق أرض غيب متوهمة. تتشكل سلطاته القمعية، من الافتراء على طبيعة مهام الحكم. تحتفظ بدنيوية الدولة وتتذرع بحد اللاهوت. فتقوم على الجباية، وخلق اقطاعيات، ثم إنجاز شروط الحرب لقمع أو احتواء أي تمرد، لكنها تستفرد بوصايا الدين. مضمون هذا النوع من الحكم يعيش على انتقاص كامل للشعب، كأي ملك مستبد. ثم أن أهواء الحاكم تتصرف بالدين، فيتم الخلط بين ما هو معصوم وما هو عرضة للخطيئة. تصبح مساوئه وزلاته فضيلة غير قابلة للاعتراض بما أنها تشريعات روحية، إذ أن خطأه يخص الرب وفضائله مزايا تعزز شروط الإمامة، أي تخصه.
وبما إن القانون عماد الحكم، المؤسسة، تحتاط السلطة الدينية بقدرة على تجاوز كل الدساتير المكتوبة، بفرضيتها التي تفتش على الدين. سلطة مراقبتها، وصايتها لحماية الشريعة، فتفتش النوايا والأسرار. تمتلك مساحة واسعة لتفسير الأشياء تفوق قدرة القانون المحكومة بنصوص محددة.
تقوم السلطة اللا هوتية بذرائع الحفاظ على الشريعة، إلا أنها تحوله شعاراً عريضاً لتطفل الدنيوي. هذا النوع من الحكم، يجعل الدين واقياً للسياسة، حامياً حتى لأكثر النزوات فساداً، إذ يجعلها تتستر به وتشركه آثامها. بينما أرادت العلمانية أن تحسم هذا الخلط. وإذ هوجمت باعتبارها تجديفاً، ومحاربة للايمان، كانت أكثر أشكال الحكم حماية للدين. إذ حسمت النزاع بين السلطة والدين بالفض بينهما. وما تخطئ به السياسة الدنيوية لا يُثقل شرائع السماء.
الحكم الديني يمارس تفتيشه للنوايا، يمتلك الأسرار، وقادر على تفسير الخفايا. وحين يتسع نفوذ هذا النوع من الحكم، يتصرف هواه بالدين. يتم الخلط بين ما هو معصوم وعرضة للخطيئة، فتتحول مساوئ الحاكم وزلاته فضيلة غير قابلة للاعتراض بما إنها تشريع، إذ أن خطأه يخص الرب وفضائله مزايا تعزز شروط إمامته، أي تخصه.
التشريعات مسودة خاضعة لتقلبات مزاج الحاكم؛ تُهمل المؤسسة لمصلحة الفرد وأهوائه. وما نحتاجه اليوم هو خلق مؤسسة الحكم، وليس إعادة إنتاج الماضي، كما يحدث أشد ما في ماضينا من رجعية وانحطاط.