لم تتمكن عبقـريـة الإنسان اليمني الذي أشاد حضارات يعتدُّ بها على مستوى الحضارات القديمة .. لم تتمكن – كما يبدو – هذه العبقرية من التغلب على تحديات التنمية وإشكالية الفقر والبطالة، حيث كانت الدولة المركزية سبباً في تراجع دور اليمن داخلياً وخارجياً على الرغم من تلك العبقرية التي لا تفتقر إلى استنباط الحلول والمعالجات لمثل تلك المشكلات والتحديات.
هذه العبقرية هي التي استبدلت الذهاب إلى الاحتراب بتغليب منطق الحوار السلمي والذي توّج – في أبرز معالمه – التوافق على منظومة الحكم الجديد والقائم على نظام الدولة الاتحادية التي تأخذ بعين الاعتبار خارطة الأقاليم وبحيث يكون لكل منها خاصية التنافس في خدمة مواطني الإقليم وعلى النحو الذي تعمل به أغلب دول العالم.
صحيح إن ثمة مخاوف من استفحال مشكلات التنمية الناجمة عن غياب الاستقرار السياسي، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن لمنطق العنف أو الاتكاء على حلول جزئية أن يساعد العبقرية اليمنية في استثمار هذه الفرصة التاريخية التي أجمع فيها العالم على مساندة التجربة في الخروج من شرنقة الأزمة وتقديم الأنموذج الحضاري غير المسبوق على مستوى دول المنطقة والمتمثل في الانتقال من حالة الركون والاستلاب إلى مرحلة تطبيق منظومة الحكم الجديد ودون كلفة تُذكر.
ولا شك بأن الإنسان الذي استطاع – عبر التاريخ – أن يقيم حضارات لا يُستهان بها، مطوّعاً المرتفعات الشاهقة لإرادته ومقيماً للسدود التي استبقت البشرية في هذا الاكتشاف ومشيّداً ناطحة السحاب فوق الرمال المتحركة وناشراً أشرعة مراكب رسالة التواصل بين الحضارات والمحبة بين الشعوب.. هذه العبقرية التي كانت بالأمس عند مستوى هذا الحضور سوف تكون قادرة اليوم على استنباط المعالجات لتداعيات الأزمة، إن لم تكن قد وضعت خارطة طريق لتحقيق ذلك فعلاً.
ولأن البعض قد يرى في هذا الطرح ضرباً من المستحيل أو أنه مجرد أضغاث أحلام، فإن الرد على ذلك ببساطة يكمن في حرص القوى السياسية المتناحرة في الساحة الوطنية على تعزيز حالة التوافق وصولاً إلى تطبيق مضامين العقد الاجتماعي الجديد الذي يكفل منظومة المبادئ والأسس الضامنة للشراكة الوطنية في السلطة والثروة.. وهي الخطوات التي ستتبلور على أرض الواقع من خلال صياغة مشروع الدستور الجديد والاستفتاء عليه ومن ثم إجراء الانتخابات على المستويين، الأقاليم الستة كلّ على حدة من ناحية وكذلك انتخاب مؤسستي الرئاسة والبرلمان في الدولة الاتحادية من ناحية أخرى.
أخيراً، علينا فقط التمسُّك بحبل التفاؤل والثقة بالمستقبل.. وبالتالي استحضار عبقرية الإنسان اليمني التي تأكد أنها حاضرة حتى في أكثر اللحظات انهزاماً وفجيعة!