• منذ عدة سنوات ونحن نسمع عن مفاوضات بلادنا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية «الغات»، الآن وبعد أن تمت الموافقة مؤخراً على قبول بلادنا في عضوية المنظمة يتساءل الكثيرون عن الجدوى والفوائد التي ستعود على اليمن واليمنيين من وراء هذا السعي المحموم للانضمام لاتفاقية (الغات)؟! وهل نحن مؤهلون لذلك؟! وهل هناك فوائد فعلية أم أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد موضة في هذا البلد الذي يعشق توقيع الاتفاقيات، ونجده عضواً في أغلبها لكنه لا يعمل بمعظمها على أرض الواقع؟!
• الخبراء الاقتصاديون وذوو الاختصاص يتوزعون في فريقين أحدهما مؤيد لتوقيع اليمن للاتفاقية وآخر معارض أو متحفظ بمعنى أصح، وكل يطرح أسبابه ومبرراته، فالفريق الأول يؤكد أن الفوائد والمكاسب كثيرة للبلد والمواطنين، بينما الفريق الآخر يرى أن أضرارها وآثارها السلبية أكثر من فوائدها وإيجابياتها.
• المؤيدون لانضمام اليمن لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية يؤكدون أن الأمر يتضمن إيجابيات كثيرة وسيتحقق للبلد العديد من الفوائد أهمها نقل التكنولوجيا الحديثة وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية التي ستشهد تطوراً وتعمل على تحسين وتجويد خدماتها المقدمة بما يجعلها قادرة على منافسة المنتجات والخدمات الخارجية في السوق المحلي الذي سيشهد منتجات من كل حدب وصوب، وأمر كهذا سيوفر فرص عمل جديدة تواكب هذا التطور الصناعي المحلي الذي سيحدث.
• كما أن الانضمام سيحمل معه فائدة للمستهلك المحلي الذي ـ حسب قول المؤيدين ـ سيحصل على أفضل الخدمات وبأفضل الأسعار في ظل تعدد الخيارات أمامه، وهو أمر ضروري جداً للمستهلكين في بلادنا، الذين يعانون من استغلال المنتجين ومقدمي الخدمات المحليين، حيث التنافس غائب بين الشركات التي تقدم نفس الخدمة كما هو الحال في شركات الهاتف النقال التي تقدم أسوأ الخدمات والأغلى تكلفة على مستوى العالم، وليس هناك أي تنافس بينها، فأسعارها متشابهة جداً وخدماتها بنفس السوء، فقط تتسابق على استغلال المستهلكين، أما المنتجات المحلية فإن أغلبها لا تتوافر فيها مقاييس ومواصفات الجودة العالمية وحمى التنافس قد يدفعها إلى اعتماد معايير الجودة والالتزام بالمواصفات القياسية حتى تتمكن من المنافسة.
• أما المعارضون أو المتحفظون على انضمام اليمن لاتفاقيات (الغات) فيرون أن السلبيات تتفوق على الإيجابيات في ظل الأوضاع الفوضوية التي تسود السوق المحلي، إضافة إلى أن اليمن بلد مستورد بالأساس، حيث يستورد معظم ما يحتاجه من السلع من الخارج، وبالتالي فإن المزيد من تحرير التجارة سيؤدي إلى زيادة إغراق السوق المحلي بالسلع والمنتجات الخارجية، في الوقت الذي ليس لدينا ما نصدره من صناعات قادرة على المنافسة عالمياً.
• ويتساءل هؤلاء : كيف سننافس في السوق العالمي بالصناعات الخفيفة غير المطابقة للمواصفات، أم بمنتجات (الشكولاتة والعصائر والزيوت) ذات المواد المسرطنة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي؟، نحن لا نمتلك أية صناعات كبيرة ذات جودة أو مواصفات، فقط بعض الصناعات الخفيفة غير المقبولة محلياً، فكيف سيتم القبول بها أو حتى السماح بمرورها في الأسواق الخارجية التي لا تسمح إلا بدخول منتجات صحية ومطابقة للمواصفات والمقاييس.
• ويؤكد هؤلاء أن من الآثار السلبية التي ستترتب على الانضمام لـ (الغات) ستتمثل في تراجع الصناعة الوطنية التي ستضمحل شيئاً فشيئاً أمام هجمة المنتجات الخارجية التي تفوقها تصنيعاً وجودةً وهو ما يعني أيضاً تسريح عدد كبير من العاملين وزيادة نسبة البطالة في البلاد، وأنه كان من الأفضل قبل الإقدام على هذه الخطوة أن تكون هناك دراسات وخطط وبرامج لضمان تحقيق الفوائد والمكاسب المتوخاة وإعادة ترتيب وتأهيل بعض القطاعات الاقتصادية بما يجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، وضرورة إيجاد أجهزة خاصة للسيطرة على السلبيات التي قد تنشأ مثل جهاز لمكافحة إغراق السوق المحلي بالخدمات والسلع المستوردة، مكافحة الغش التجاري، حماية المستهلك.. وغيرها.
• وبين هذا وذاك يقف غالبية أبناء المجتمع كـ (الأطرش في الزفة)، لا يعرف شيئاً عن معنى دخول اليمن منظمة (الغات) وما هي المزايا أو الفوائد التي سيجنيها البلد أو سيجنيها الفرد، وذلك بسبب غياب التوعية من قبل الجهات المعنية، كما أن استمرار أوضاع السوق المحلي كما هي عليه الآن وعدم اتخاذ الإجراءات التي قد تخفف من السلبيات ستزيد الأمور سوءاً، وأن أية فوائد قد تجنيها اليمن ستتحول إلى أضرار ومخاطر على الاقتصاد الوطني والوطن برمته.
k.aboahmed@gmail.com