• لا يزال مسلسل الاختطافات التي تطال رجال الأعمال اليمنيين أو السياح والخبراء الأجانب يتواصل في بلادنا، وآخرها اختطاف الطبيب الأوزبكي، وقبله مختطف إيطالي وعديد المختطفين من الجنسيات الأجنبية، ولعل أهم أسباب استمرار هذه الاختطافات يكمن في التساهل والليونة من قبل الدولة في مواجهة هذه الأعمال ومهادنتها للخاطفين وتلبية مطالبهم الأمر الذي يدفعهم إلى التمادي في أفعالهم المشينة هذه.
• لو أن هناك حضوراً فعلياً للقوانين والتشريعات وتطبيقها بقوة وحزم لما تمادى الخاطفين في مثل هذه الأعمال غير المشروعة لابتزاز الدولة التي دائماً ما ترضخ لمطالبهم وشروطهم، الأمر الذي شرعن لهؤلاء الخاطفين الاستمرار في أعمالهم التي أصبحت عبارة عن صفقات يكسبون ويستفيدون من ورائها الكثير، وهو ما جعلها تنتشر في أكثر من منطقة بغرض تحقيق مكاسب مادية أو مطالب شخصية مضمونة التحقيق في ضوء سياسة المهادنة التي تتبعها الدولة مع الخاطفين، لأننا ورغم كل عمليات الاختطاف التي تمت سابقاً إلا أننا لم نسمع حتى الآن عن محاكمة ومعاقبة أيٍ ممن قاموا بارتكاب هذه الأعمال، بل إنه للأسف يتم مكافأتهم عليها.
• فما يحصل دائماً ومع كل عملية اختطاف أن الجهات المعنية تكتفي بأن تستنكر وتشجب وتندد وتدين هذه العمليات مع التهديد والوعيد للإرهابيين الخاطفين وتقسم بأن لن يغمض لها جفن حتى تقبض على هؤلاء القتلة والمجرمين وتسلمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع، لكن كل تلك التهديدات تتبدل بقدرة قادر إلى التصالح مع هؤلاء الخاطفين والرضوخ لكافة مطالبهم، بل وقد تتعامل معهم بكل رفق و« حنية » وكأنها تترجاهم ألا يعودوا لأفعالهم تلك مجدداً، ولكن هيهات فمثل هذا الأسلوب الناعم في التعامل لا يزيدهم إلا عتواً ونفوراً ويدفعهم إلى ارتكاب المزيد من هذه الأعمال طالما وقد أصبحت بالنسبة لهم الوسيلة المثلى والناجعة لتحقيق مطالبهم وشروطهم.
• من البديهي أن أي دولة في العالم تسير وفق قوانين وتشريعات تنظم الحياة العامة فيها، وقوة أي دولة تتأتى من قدرتها على تطبيق هذه القوانين والتشريعات، ولكي تضمن هذه الدولة بقاء هيبتها وقوتها وقدرتها على تسيير البلاد لا بد أن يشعر مواطنوها أن هناك قانوناً نافذاً يسري تطبيقه على الجميع دون استثناء أو انتقائية من أجل الحفاظ على المجتمع وأمنه واستقراره.
• نريد أن نشعر بوجود فعلي للدولة، وجود على أرض الواقع عبر تطبيقها للقوانين والتشريعات المنظمة لحياة المجتمع، ولو أن ذلك موجود لتمكنت من وضع حدٍ ونهاية لأعمال الاختطافات التي شوهت سمعة البلاد والعباد.
• إذا ما استمرت الاختطافات على نفس الوتيرة وفي ظل الغياب التام لمبدأ العقاب والردع بحق مرتكبيها ومرورها بسلام قد لا نستغرب أن تتصاعد مستقبلاً وتصبح مقصداً للعديد من الراغبين بالثراء، فالأمر لا يكلف ممتهنها سوى أن يكون “سمخ” و”رأس” و”أحمر عين” وميت قلب وبلا مشاعر وأحاسيس مع خبرة في حمل البندقية على كتفه وقدرة على “ النصع”، وربما قد نشهد في المستقبل القريب إنشاء وتكوين جمعيات أو منظمات خاصة لهذا الغرض والتي بلا شك ستستقطب العديد من العاطلين، وستقوم هذه الجمعيات أو المنظمات بجلب سياح إلى بلادنا للقيام بدور الضحايا حيث ستتفق معهم على اختطافهم، مع مقاسمتهم الملايين التي ستدفعها الدولة ـ كعادتها ـ فدية لتحرير المخطوفين وفق النسب التي تم الاتفاق عليها مسبقاً.
• طبعاً العملية ستكون مربحة للطرفين وستشهد هذه الأعمال رواجاً وازدهاراً غير مسبوقين وربما ستصبح بلادنا معها الأشهر في العالم في مجال “ تجارة الاختطافات”!!
k.aboahmed@gmail.com