كامل الأحداث التي تُجرى في الداخل الأمريكي والخارج تضع الإدارة الأمريكية أمام استحقاق ثقيل، فلم يعد مجدياً انتشار العسكرية الأمريكية باهظة الثمن في طول وعرض العالم، ولم يعد مُجدياً تدوير ذات السياسات الخائبة التي أفضت إلى توريط الولايات المتحدة في مُغالبة التاريخ والجغرافيا بل حتى التحوّلات الموضوعية في العالم، ولم يعد ممكناً تبرير هذه السياسات في ظل عالم لم يعد الترهيب يرهبه، ولا الترغيب يُغريه.
أما الداخل الأمريكي؛ فالأرقام خير شاهد على ما آلت إليه الحالة الاقتصادية؛ لكن دون أن نستعجل في إطلاق حكم قيمة نهائي، فالولايات المتحدة مازالت من أكثر الدول قدرة على التعافي السريع إن تخلَّت عن الأسباب التي وضعتها في هذا الموقع الصعب؛ لذلك أستعيد هنا حكمة التصرُّف البريطاني عندما كانت بريطانيا العظمي دولة لا تغيب عنها الشمس، وعندما أدركت الحصافة الانجليزية أن استمرار الحال من المُحال، فقامت بانكماش استراتيجي حافظت فيه على قوتها وأفضلياتها النسبية ومكانتها الدولية دونما تمسُّك بمستعمراتها المنتشرة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط والجزيرة العربية.
بدلاً من الإبقاء على المستعمرات ، استجابت بريطانيا إلى القرار الدولي الخاص بالتخلِّي عن المستعمرات، واستبدلت بقاءها التقليدي هناك بنظام الكومنولث الطوعي، وأبقت على ذكريات ماضيها المجيد في تلك المستعمرات، ولم تستفز شعوب الأرض التوَّاقة إلى الاستقلال، وأذكر في هذه المناسبة أن بريطانيا منحت الاستقلال لليمن الجنوبي قبل الموعد المحدّد، عندما لاحظت أن كفاحاً مسلّحاً يُشن على وجودها في عدن، وبهذا المعنى مسحت إمكانية بقاء الآثار المدمرة، فمالت إلى خيار التخلِّي الذكي.
أمام الولايات المتحدة مثل هذا السيناريو المتاح الذي كثيراً ما يواجه الامبراطوريات العظمى في لحظة فارقة من الزمن، فبريطانيا نموذج معاصر لنا، والاتحاد السوفيتي نموذج آخر في التخلّي الحر والانكماش الاستراتيجي، فهل تقوى الولايات المتحدة على مُناجزة ثنائية الانكماش الاستراتيجي أو الانهيار الحر..؟!.
Omaraziz105@gmail.com