هل كانت صراعاً بين وحدويي الشمال وانفصاليي الجنوب..؟!
تستمد القارة الأمريكية كامل الموروث الإثني والديني من أوروبا التاريخية، ففي كندا يتساكن المكونان اللاتيني الكاثوليكي والأنجلوسكسوني البروتستانتي، وسنجد ذات الحال وبصورة أكثر فولكلورية في الدول الاسكندنافية، متعدّدة الديانات والقوميات واللغات، ويتكرّر الحال في الولايات المتحدة أيضاً، هنالك حيث يتغوَّل النمط البروتستانتي الأنجليكاني المتحالف مع يهودية الآباء المؤسسين، فيما ينتشر ورثة اللاتينية الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية، ومن هنا جاءت تسمية أمريكا اللاتينية.
جدير بالاستعادة هنا أن الحرب الأهلية الأمريكية التي بدت في ظاهرها صراعاً بين انفصاليي الجنوب ووحدويي الشمال، وتخفَّت تحت عناوين وأوصاف متعدّدة، تلك الحرب حملت في عمقها الطبقي والديني السياسي صراعاً محموماً بين الإقطاع الكاثوليكي في الجنوب والبرجوازية المالية الصناعية البروتستانتية في الشمال.
الخارطة الدينية القومية ليست معادلاً منطقياً للمستقبل بحال من الأحوال كما يزعم مُنظِّر صدام الحضارات “هنتنغتون” لكنها مازالت تختزل ثقافة القوّة والمُغالبة الموروثة من الماضي البعيد التي تجد لها تبريراً نظرياً في كثير من الآداب الدينية والفلسفية.
هذا التصنيف العام للخارطة القومية الدينية الأوروبية واستتباعاتها العالمية لا يقدّم كامل الصورة، بل يتحرَّى البُعد العام الذي لا يلغي ضمناً وأساساً وجود مكوّنات أُخرى في ذات البلدان المُصنَّفة ضمن العوائل القومية والدينية الثلاثة آنفة الذكر؛ لكننا نعود إلى السؤال المهم الذي بدأنا به الحديث وهو مدى تأثير هذه الموروثات القومية الدينية على السياسات العامة في واشنطن وموسكو ولندن وغيرها من عواصم القرار الاستراتيجي في العالم المعاصر، مما سنحاول الإجابة عنه غداً بإذن الله.