هل ما خبا وتلاشى بالأمس القريب يمكنه أن يعود بعنفوان أكبر؟.
قلنا إن الحالة الأوكرانية تعكس الموديل الأوروبي التاريخي بامتياز، فأوكرانيا تتوزع بين القوميتين السلافيتين الروسية والأوكرانية، وتضم أقليات متعددة الانحدارات قومياً ودينياً، فيما تنعكس خارطتها الديمغرافية على دول الجوار الإقليمي، غير القادرة على تحديد موقف واضح مما يجري هناك، لعلمها التام بأن نبش وكر الدبور القومي الديني في أوكرانيا، سيفتح عليها أبواب جهنم.
تعيش منطقة القرم تناقضاً قومياً مُعلناً بين الأوكران ذوي الأصول الروسية البطريركية، والأوكران المقيمين في الاستدعاءات القومية للأقحاح الشوفينيين، الواهمين بامتلاك خصوصية لا يرقى إليها الآخرون، وهو الأمر الذي خلق نزعة مُتعصِّبة فجَّة، ترى الآخر بوصفه عدواً مُبِيناً، وتتغذى من دوائر اليمين البراغماتي النيتشوي المتوحش..
إذا استمرت المعادلة الأوكرانية وفق السائد اليوم، فإن متوالية الصراع القومي الديني لن تتوقف عند حدود تلك البلاد، بل ستشمل عموم أوروبا، بقدر تزايد العنف ، وخروج الميدان عن نطاق السيطرة.
يدرك حكماء أوروبا والعالم فداحة المآلات المحتملة، لكن رهان بعض الكبار على تدوير صراع محدود ومحدد قد ينقلب عليهم، حينما يتيقَّنون من أن تلك الشرارة كفيلة بإحراق قارة بأسرها، وليست عبرة الحربين العالميتين بعيدة عن كل ذي لُبٍّ وبصيرة.
الخارطة الدينية والقومية خبت وتلاشت في أوروبا، بهذا القدر أو ذاك، وقد كانت صدمة الحرب العالمية الثانية سبباً مباشراً في ذلك الانقلاب المفاهيمي الحياتي الذي أفرز واقعاً جديداً، لكن ما خبا وتلاشى بالأمس القريب يمكنه أن يعود بعنفوان أكبر، وتدمير أخطر ، فثقافة التنافي العدمي المؤجلة شاخصة. فاغرة الفم، قادرة على التهام جمال الحياة وتوازن العالم.
Omaraziz105@gmail.com