تكتسب اختبارات الثانوية العامة أهمية خاصة باعتبارها المقياس الحقيقي للطلاب والكادر التدريسي والإدارة التربوية على حد سواء بل ومقياس للعملية التعليمية برمتها وبالتالي فإن أي فشل فيها يعني فشل جميع العناصر المكونة للعملية التربوية والتعليمية والعكس أيضاً صحيح وقضية تسرب اسئلة اختبارات الثانوية العامة هذا العام لعدد من المواد إنما يمثل فشلاً اضافياً جديداً للعملية التعليمية التي تعيش أصلاً فشلاً مستمراً منذ سنوات طويلة يتعاظم كل عام ويزداد توسعاً.
صحيح أن تسريب أسئلة الامتحانات يُعد فعلاً قبيحاً وعملاً لا أخلاقياً من قبل مرتكبي هذه الجريمة أياً كانوا وأين كانت مبرراتهم وأهدافهم إلا أن ذلك لا يعفي وزارة التربية وقطاعاتها من مسئولياتها في إنجاح العملية الامتحانية وضمان عدم تسرب أسئلة الاختبارات التي يفترض أن تكون على أعلى درجات السرية والكتمان ومحاطة بإجراءات أمنية احترازية عصية على الاختراق.
خلال السنتين الأخريين تم اعتماد طريقة جديدة لاختبارات الثانوية العامة وتتمثل في كتابة أسئلة الاختبارات داخل دفاتر الاجابة مع وضع نماذج كثيرة وهي طريقة عملية للحد من ظاهرة الغش سواء داخل القاعة بين الطلاب أنفسهم أو من خارج قاعة الاختبار ولكن مع ذلك فقد تسربت هذا العام دفاتر اختبارات بأكملها وانتشرت في شبكة الانترنت مع الإجابات .. فكيف تسربت هذه الاختبارات ؟ ومن أين مصدر التسريب خاصة وأن بعضها تسرب قبل يوم من موعد الاختبار؟!
هناك من يقول ان اختبارات الثانوية لهذا العام تمت طباعتها في إحدى المطابع التجارية الخاصة وإن ذلك هو سبب تسرب الاختبارات وما لم نفهمه هو لماذا لم يتم طباعتها في مطابع الكتاب المدرسي التابعة لوزارة التربية والتعليم ، وهي مطابع تمتلك أفضل وأحدث المطابع وبإمكانها طباعة أي شيء من الكتب إلى البروشورات والكروت وغيرها ولن تعجز عن طباعة دفاتر اختبارات الثانوية العامة إن صحت تلك الرواية لماذا تم تجاهل هذه المطابع واللجوء إلى مطبعة خاصة.
من المسئول عن هذا الفعل الذي يكلف خزينة الدولة عشرات أو مئات الملايين في الوقت الذي يمكن طباعتها في مطابع الكتاب المدرسي وبتكاليف أقل؟ ومن هو المستفيد من كل هذا ؟!
الإجراء الاحترازي الذي اتخذته اللجنة العليا للاختبارات أواخر الأسبوع الماضي بإلغاء أسئلة الاختبارات للمواد المتبقية والتي سبق توزيعها على المحافظات مع إبقاء مواعيد اختباراتها هي إجراء سليم ومنطقي خشية أن تكون قد تسربت أسئلتها هي الأخرى كسابقاتها التي تم تأجيل الاختبار فيها إلى أواخر الشهر الجاري واستبدالها بنماذج جديدة وربنا يستر ولا تتسرب الجديدة وساعتها سيتم إعادة الاختبارات في نصف عدد المواد.
لكن ما يلاحظ على مواعيد اختبارات المواد المؤجلة هو تحديد اختبار مادتين في يوم واحد فمثلاً تم إقرار يوم 28 يونيو الجاري موعداً لاختبار المادتين المؤجلتين في القسم العلمي أي مادة الجبر والهندسة ومادة التفاضل والتكامل في نفس اليوم فهل من المنطقي والمقبول ان يتم اختبار المادتين في نفس اليوم وفي يوم رمضاني في ظل الأجواء الحارة التي نعيشها خاصة في المناطق شديدة الحرارة وكأننا بوزارة التربية في هذا الموعد تريد معاقبة الطلبة على تقصيرهم في حماية الاختبارات من التسرب .. وإلا فما ذنب الطلبة يتحملون وزر خطأ لم يترتكبوه بدلاً من محاسبة ومعاقبة المتسببين الحقيقيين في هذا الخطأ وكان الأحرى بالوزارة أن تحدد مواعيد منطقية بعيداً عن إرهاق الطلبة والانتقام منهم على ذنب لم يقترفوه.
أما الطريقة الجديدة التي سيبدأ تطبيقها من العام القادم والمتمثلة في أن درجات اختبارات الثانوية العامة لن تمثل سوى (50 %) بينما الـ(50 %) البقية فستكون محصلة الطلاب في الصفين أول وثاني ثانوي فللأسف هذه الطريقة ستعمل على فتح مجال المحاباة والمجاملة في المدارس التي ستقوم برفع محصلات طلابها في الصفين الأول والثاني ثانوي لتضمن أكبر نسبة نجاح كما ستفتح ثغرة لعملية البيع والشراء للدرجات خاصة في ظل الفساد المستشري في القطاع التعليمي وهو ما يعني إضعاف هيبة وأهمية اختبارات الثانوية العامة كمقياس حقيقي للعملية التعليمية والتربوية بشكل عام.
تسريب اختبارات الثانوية العامة وفي أكثر من مادة هو انعكاس طبيعي ومنطقي للاختلالات التي تعانيها العملية التعليمية ومتى ما انصلحت العملية التعليمية يمكن الحديث عن اختبارات حقيقية نزيهة يعتمد عليها كمعيار ومقياس حقيقي لبناء أجيال المستقبل وما نتمناه أن يتم فعلاً التحقيق مع المتسببين بتسريب الاختبارات وان لا يتم الاكتفاء بالتهديد والوعيد – كما اعتدنا دائماً دون إجراء محاسبة حقيقية وفعلية لمرتكبي هذه الجريمة في حق الوطن وأبنائه.
k.aboahmed@ gmail.com