يكمن التفسير الدقيق للنهاية التراجيدية للكاتب الروائي الإمريكي آرنست همنجواي في سيرته الذاتية العامرة بالمتاعب والتقلُّبات، والمعروف أن همنجواي الذي نال جائزة نوبل للآداب، عطفاً على روايته التي احتار فيها المصنفون والنقاد، بعنوان «العجوز والبحر» كان واحداً من أكثر كتاب القصة والرواية قيمة في أيامه، بل أزعم أنه استبق الواقعية السحرية بملامح قريبة منها، وكان في أُفق ما مُحايثا للروائيين الأعلام جورجي أمادو وغوغول. ووجه المقاربة تكمن في غرائبية الوصف المشهدي المقرون بدرجة عالية من الدأب في الصنعة الكتابية السردية التي تميز بها آرنست همنجواي .
قلنا إن المصير التراجيدي لهمنجواي يكمن في سيرته الذاتية التي بدأت في بيت مُتدين لأسرة من الطبقة الوسطى الأمريكية، التي كانت تنعم في ذاك الزمان من الربع الأول للقرن العشرين بمزايا الوفرة المادية، والتوازن النفسي.
في المدرسة الأولى تجلت ملكات الفتى الذي كانه همنجواي، من خلال الكتابة، والموسيقى، والدراما، والشعر، والمهارات المختلفة، بما فيها مهارات الألعاب الرياضية والذهنية، وسيكون مثيراً للاسترجاع مقارنة هذه الملكات النوعية بالقوة الجسدية التي تميز بها منذ بداياته .. تلك القوة الجسدية التي ستؤول ذات يوم قادم إلى مجرد وعاء من ورق مُقوى، ومنخور بالأمراض والعلل والإصابات المتعددة، بالترافق مع بنية فيزيائية تداعت هبوطاً، ففي أثناء عمله في الجبهة العسكرية بإيطاليا أصيب بحادث تفجير قاتل، وكان على الأطباء أن يقوموا بإيقاظه من غيبوبته، ثم يضعوه على مشرحة الجراحة ليخضع لإجراء 12 عملية جراحية، واستخراج مائتي شظية من رجليه وكامل جسده، وأن ينخرط العائد من فم الموت في عوالم برزخية من المنامات الجبرية المقرونة بالغيبوبة المرضية، وأن تتناوبه الآلام المبرحة، رغماً عن قوته الجسدية الظاهرة، وأن تؤرقه الذكريات الجميلة لطفولته السابحة في المروج الخضر، والبحارات الزرقاء، والغابات الخضراء ، وأن تتوالى عليه الخيبات العاطفية، واحدة تلو الأخرى، ليصبح نموذجاً صاعقاً للمحب المحروم، والعاشق الولهان، دون أمل في التماهي مع الحبيب.
Omaraziz105@gmail.com