عندما نتحدث عن الكهرباء وانطفاءاتها المتكررة والمتزايدة هذه الأيام بصورة غير عادية , فإن ما يثير الدهشة والاستغراب هو أن كيل الناس يطفح في مقابل هدوء تام على جبهة الجهات المعنية وكأن الأمر انتهى بمجرد تبريرات وسرد للمعوقات والإشكاليات والصعوبات , جرى ذلك قبل عدة أشهر .
وفي مقابل هذا التسويف والعجز عن إيجاد حلول لمثل هذه المشكلة غير العادية , لماذا لا تبادر المعارضة إلى استلهام دورها الحقيقي الذي يفترض أن تقوم به كما أنه سيقربها من الناس أكثر , وبدلاً من أن تدعو إلى اعتصامات تثير مخاوف الناس من تأزيم وتصعيد الأوضاع السياسية وتسمم مناخات الأمن والاستقرار بمشاكل لم تعد تحتمل البلد إضافة جديدة لما يواجهها من مشاكل .. بدلاً من ذلك تمارس حقها المشروع والمكفول دستورا بإقامة اعتصامات سلمية ومرخصة احتجاجاً على أوضاع الكهرباء وظاهرة «طفي لصي» .. بموجب توجه ديمقراطي عقلاني وقانوني، كهذا كلنا سنعتصم موجهين انتقاداتنا اللاذعة والبناءة طبعاً للجهات المعنية وتحديداً وزارة الكهرباء .
مثل هذه الاعتصامات والاحتجاجات لا يستطيع أحد أن يمنعها طالما حددت هدفها بمنطقية وواقعية مستلهمة الرغبة الشعبية والغطاء القانوني والدستوري .. هل يستطيع أحد أن يقول للمعارضة لا تطلبوا الترخيص لمسيرات سلمية احتجاجاً على انطفاءات الكهرباء ؟ حقيقة جميعنا سنكون مع الاحتجاج على ظاهرة «طفي لصي» لأن الوضع المزري لهذه الخدمة لم يعد يحتمل .
وعندما تستنفر المعارضة وتناقش ملفاً آخر من ملفات الحياة اليومية وما يهم الناس وهو ملف « أزمة الغاز» سينظر الناس باحترام شديد لهذه المعارضة ولهذه الأحزاب التي تعيش من أجل معالجة أزمات الناس ولا تعيش على أزمات الناس .
إذا اجتمعت هذه الأحزاب الرئيسية في المعارضة وكرست اجتماعها لملف الغاز وخرجت ببيان.. فإن هذا البيان سيكون هاماً للغاية وسيترقبه كل الناس بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم وشرائحهم وسواء كانوا مع السلطة أو ضدها وسواء كانوا في المدن والأرياف.. سيكون للبيان وقعه عندما يحمل وزارة النفط ومؤسسة الغاز أو الجهة المعنية أياً كان مسماها مسؤولية انعدام واحتكار وغلاء هذه السلعة الضرورية وتكبيد الناس فوق طاقتهم وعبئا آخر فوق الأعباء المعيشية التي تثقل كاهلهم . وعندها سيلبي الناس أية دعوة للاعتصام والاحتجاج على أزمة الغاز وسيتفاعل البرلمان بكل نوابه وسيتم استجواب الوزارة المعنية وستدرك أن السكوت على تلاعب كهذا من قبل الفاسدين سيعرضها إلى نقمة الشعب وأن لا مناص من الحل العاجل والمرضي لهذه الأزمة وسيكون الفاسدون هم ضحية نقمة الشعب.
إذا أرادت المعارضة أن تكون معارضة حقيقية وتخدم مصالح الناس فعليها أن تلامس قضايا المواطن وهمومه اليومية، تنظم اعتصامات ضد الغلاء وضد انطفاءات الكهرباء وضد أزمة الغاز وطبعاً لا أحد ينكر حقها في القضايا السياسية والديمقراطية والانتخابية , لكن لا يجب أن تكرس كل همها من أجل الدفاع عن متمرد أو إرهابي أو انفصالي وتدعو إلى فوضى وتخريب من أجل خاطر مصالح حزبية أو من أجل امتيازات وصفقات يبحث عنها قياديون وزعماء قبليون حزبيون استثماريون في آن واحد.
alhayagim@gmail.com