ما يلفت النظر هو أننا عايشنا خلال هذا الشهر اتفاقي هدنة فيما يتعلّق بالوضع في عمران، وطبعاً تابعنا في كل مرّة حدوث انهيار للهدنة كما هو حال اتفاقات سابقة في عمران أو مناطق مجاورة لها حين تندلع المواجهات مجدّداً بين جماعة الحوثي المسلّحة وأطراف أخرى مسلّحة سواء كانت قبلية أم حزبية, أو في بعض المرات ما يُقال إنه مواجهات بين الحوثيين ولواء عسكري من الجيش.
وما يؤخذ على تلك الاتفاقيات التي لا تصمد هو أنها تبدو كحلول سطحية وتضميدية أكثر من كونها جذرية؛ فضلاً عن إظهار الدولة مجرد نِدّ لجماعات أخرى مسلّحة؛ هذا يفقد الدولة هيبتها ويضعها في موقف ضعيف؛ وهو ما يشجّع مثل تلك الجماعات أو الميليشيات المسلّحة على الغطرسة والتمادي أكثر سواء في إجهاض الاتفاقات أم خوض المزيد من المواجهات والتوسُّع في مزيد من المناطق والمواقع.
بكل تأكيد أن تلك المعارك والمواجهات في عمران ومناطق أخرى قريبة منها ليست سلبية فقط؛ لأننا كنّا نتمنّى أن يتم طي صفحة هذا الملف نهائياً ولكنها بدت كارثية لأنها أدّت إلى تواري وتراجع معركة وطنية وشرعية كان يخوضها الجيش مع العناصر الإرهابية في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية.
كما أن سلبية تلك المواجهات إلى الشمال من العاصمة صنعاء تعود إلى أن مؤشرات استمراريتها وهشاشة اتفاقاتها تعطي انطباعاً أنها أصبحت ساحة لتصفية حسابات بين مراكز قوى معروفة؛ الأمر الذي يطيل من عُمر هذا الملف الذي لا يحصد فقط المزيد من القتلى والجرحى والنازحين ولكنه يضاعف من أزمات الوطن ويفاقم من انعكاسات ذلك على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية في البلد.
والأخطر من ذلك ما شهده حي الجراف في داخل العاصمة صنعاء مطلع الأسبوع عندما وقعت تلك المصادمات الخفيفة بين أطقم أمنية ومسلّحين حوثيين كانوا متمترسين في أسطح عدد من المنازل, وبرغم أن ما أسفرت عنه كان بسيطاً وتمثّل في إصابات تعرض لها نحو 17 جندياً وضابطاً, إلا أن الشيء الكارثي هو أنها كشفت عن أن ميليشيات الحوثي وربما ميليشيات قبلية وحزبية مناوئة لها هي على جاهزية عالية ليس فقط في عمران أو مناطق ريفية محاذية لها وإنما داخل عاصمة الجمهورية اليمنية وعلى مرمى حجر من مؤسسات حكومية وأمنية ودبلوماسية ومصالح حيوية, وقبلها وسط تكتل سكاني يتجاوز المليوني نسمة.
وإزاء ذلك كله ينبغي أن يكون هناك موقف جاد وحاسم يعيد إلى الدولة هيبتها ودورها، ويعيد إلى المجتمع أمنه وطمأنينته وثقته في مؤسسات دولته وفي مقدّمتها المؤسسة الوطنية الكبرى «الجيش والأمن».
alhayagim@gmail.com