ليس هناك أكثر إيلاماً من قرار الحكومة بتنفيذ الإصلاحات السعرية سوى تلك المواقف المتناقضة لقوى سياسة وبعضها سياسية مسلّحة ذهبت في اتجاه استغلال الوضع لتحقيق مكاسب سياسية في حالة لا يمكن توصيفها سوى بالمتاجرة بآلام الشعب ومعاناته.
الحكومة ساقت ولاتزال تسوق الكثير من المبرّرات التي دعتها إلى إقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية, ونحن بطبيعة الحال لا يمكننا أن نقول لها: «برافو» لأننا جميعاً نعاني, وفي نفس الوقت ندرك أن ما يجري طرحه من إجراءات للتخفيف من آثار هذه الإصلاحات الجديدة سبق أن طرحته حكومات سابقة منذ تدشين برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري في مارس 1995م.
كان يتم الحديث عن توجُّه لاستئصال الفساد أو اجتثاثه, وأنه سيتم ربط الأحزمة وتنفيذ برنامج تقشف بما يجعل من الجرعة برداً وسلاماً على الفقراء والمطحونين, وأن الخاسر الوحيد من الإصلاحات ورفع الدعم هم المهرّبون والفاسدون، وعلى أرض الواقع كان الفقراء يزدادون فقراً, والفاسدون والمهرّبون يزدادون ثراءً فاحشاً.
وطبعاً ما يؤلمنا أكثر هو تلك المواقف الانتهازية التي تمارسها بعض القوى سواء المشاركة في الحكومة أم الباحثة أو اللاهثة وراء موطئ قدم في الحكومة وفي السلطة من بوابة الشعارات البراقة والخطابات الرنانة.
فجماعة الحوثي المسلّحة كانت تدرك أن جميع الأطراف السياسية في السلطة موافقة على الإصلاحات ولم يعد هناك طرف سياسي معارض بفعل التوافق الناتج عن المبادرة الخليجية, فذهبت تستغل الإصلاحات لتحرّك الشارع وتملأ الفراغ وتقدّم نفسها كقوة معارضة وحيدة, وكل ذلك على حساب مشاعر الملايين الذين تقودهم معاناتهم إلى التعلّق بأية «قشّة» وتصديق أية كلمة تعبّر عن آلامهم.
كما أن أحزاب مثل «الإصلاح والناصري» هي جزء من تكتل المشترك ومن الحكومة، وهي بطبيعة الحال وقّعت على القرار مسبقاً, لكنها في نفس الوقت أرادت ألا تظهر أنها على قطيعة مع الشارع وأرادت ألا تخسر شعبيتها فذهبت تمارس الاعتراض بطريقة غير مباشرة, سواء عبر تحريك اللجنة التنسيقية للثورة الشبابية وشخصيات قيادية أصدروا بيانات أو تصريحات بصورة فردية «كما هو حال الإصلاح» أو عبر مواقف لفروع الحزب في أمانة العاصمة ومحافظة إب وغيرها «كما هو حال التنظيم الناصري».
وبالتالي هذا الأمر يجعلنا نشعر بالأسى من تلك المواقف الازدواجية أو الانتهازية التي تصدر عن قوى بعضها كان يعد الناس أثناء ربيع 2011م بتبليط البحر؛ لكن عندما وصلت إلى سدّة الحكم جلبت المزيد من المعاناة إلى الغلابى.
alhayagim@gmail.com