في حرب صعدة الأولى كان واضحاً أن الهدف غير المُعلن تمثَّل في ضرب عصفورين بحجر واحد، والتخلّص المزدوج من القلق الحوثي، وإضعاف الخصوم المحتملين من داخل النظام في ذات الوقت.
ومن هنا بدأت لعبة القط والفأر، حتى جاءت لحظة “البجعة السوداء” اليمانية، من خلال عاصفة «الربيع العربي» فانكشف المستور، وبدأت متوالية الانهيار التي لم تتوقف منذ ذلك الحين، ذلك أن التوافقية السياسية الحميدة عطفاً على المبادرة الخليجية ومرئياتها الحالمة، سرعان ما انكشفت عن حقيقتين واضحتين.
تجلَّت الأولى في استمرارية الانهيار وعجز النظام عن مواجهة استحقاقات المرحلة، فيما تجلَّت الثانية في تزايد فتوّة الحوثية السياسية، حيث انخرط الحوثيون في العملية السياسية عبر حزبهم المعلن، وحضورهم المشارك في مؤتمر الحوار الوطني، لكنهم بنفس القدر واصلوا ترسيخ حضورهم الميداني العسكري، مستهدفين خصومهم الأيديولوجيين القادمين من ذات المربع المقرون بالدين السياسي.
صراع الحوثيين والسلفيين كان العنوان المؤكّد لذلك الصراع، لكنه صراع لم يقف عند تخوم الظاهر، بل انخرط فيه آخرون يتحالفون مع هذا الطرف أو ذاك، فيما يحتفظون بأجنداتهم الخاصة.
وهؤلاء بجملتهم يأتون من تضاعيف النظام السابق وبلاياه الكثيرة، ويتميّزون بكونهم أمراء حرب اعتياديين وإن لبسوا نياشين الدولة وتحدثوا بلغة العصر.
ومن عجائب الأيام وغرائبها التي جعلت حكيم معرّة النعمان يسخر فيها من الدهر، ذلك التحوّل الدراماتيكي لأشاوس الأمس القريب ممن أصبحوا بين عشية وضحاها سيوفاً من خشب، قال المعرّي الحكيم:
من راعه زمن أو هاله عجب
فلي ثمانون حولاً لا أرى عجبا
اليوم كالأمس والأفلاك دائرة
والناس كالناس والدنيا لمن غلبا
كذلك الذي حاق قبل ثلاثة عقود بعاصمة الدكتاتور الفولكلوري سياد بري، وبالامبراطورية الرومانية قديماً، .
الترتيبات التوافقية الإجرائية لا تقدّم جواباً ناجزاً عن المستقبل، والحوثيون موعودون بدرب سياسي شائك يتطلّب منهم الارتقاء بأدوات الخطاب والممارسة والولوج إلى معترك العملية السياسية بوصفهم شركاء وطن ومصير، مُجبرين على التعامل مع الاستحقاقات المتغيّرة والتضاريس المتعرجة والخصوصية المـُتأبِّية على الاستيراد الميكانيكي للموديلات الغاربة، فهل يفعلون..؟!.
Omaraziz105@gmail.com