الواقع يتم فرضه من قبل الأقوياء، هذه حقيقة لا يمكن تجاوزها، فالمنتصر على أرض الواقع هو الذي يحدّد السيناريوهات الممكنة والخيارات المتاحة.
وقد يبدو المنظر العام في الواقع اليمني قاتماً وفي اتجاه واحد فقط، ولكن الحقيقة أعمق من ذلك، ولدينا كشعب وقادة خيارات أخرى ما علينا إلا أن ننتبه إليها ونوجّه الرأي العام إليها محلياً ودولياً.
فقد أعطانا مؤتمر الحوار الوطني أجمل هدية قبل أن ينتهي وهي الدولة الاتحادية، ولن تستطيع أية قوة داخلية أو خارجية أن تسلبنا هذا الإنجاز، المتعمقون في تاريخ اليمن الوسيط والمعاصر يدركون أن اليمن بحدودها الحالية لم تكن أبداً ولا في أي مرحلة تاريخية كياناً متجانساً واحداً.
هذا لا يعني أن الوحدة اليمنية هي عبارة عن وهم، ولكن يعني أن الطبيعة السكانية والأيديولوجية والثقافية وحتى الجغرافية تفرض نوعاً من اللا مركزية عالية الصلاحيات والتي دونها لن يكون هناك كيان واحد.
هذا ما أخفق في فهمه النظام السابق وهو ما أدّى إلى الدعوات الانفصالية والحركات الثورية في كافة أنحاء البلاد، ولم يكن من الممكن الدعوة إلى نظام لا مركزي بعد أن تكون أكثر من حراك شعبي مطالب بالتغيير، ولذا كان لابد من حل أكثر حدة وهو الدولة الاتحادية لإنقاذ هوية اليمن كدولة واحدة.
ينسى الذين يفرضون هيمنتهم على صنعاء بحكم أنها العاصمة أن ما سبق شرحه؛ وبالتالي لا يدركون أنهم بإسقاطهم العاصمة ساعدوا في الإسراع بالتحوّل إلى الدولة الاتحادية وتقوية الأقاليم على درجات متفاوتة.
توجد شخصيات محلّية بدأت بالبروز على صعيد الأقاليم المختلفة وتحاول أن تلعب دورها القيادي في ظل غياب الرؤية العامة للدولة، تجتمع هذه القيادات بالمجتمعات المحلّية بشكل مستمر وتصبح أقرب إليها وأكثر تتبعاً لاحتياجاتها بدلاً من العُرف السائد قديماً وهو الالتصاق بالمركز وطلب المجد والسُلطة من خلال تتبع احتياجات المركز بل التبعية له.
ما أراه اليوم في اليمن فرصة عظيمة أهداها لنا الحوثيون والسياسة الغريبة للدولة الغائبة الحاضرة، هذه الفرصة هي في نفس الوقت امتحان للصادقين من أبناء وبنات اليمن أن ينهضوا ويتحمّلوا مسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم؛ غير آبهين بالمركز الضعيف أو السُلطة المنتزعة.
يوجد أفراد ومجاميع متميزة في المجتمعات المحلية قادرة على لعب دوراً كبيراً في تنمية الوطن، وليس من الصعب تجديد ثقافة اللجان الشعبية التي لعبت دوراً كبيراً في تنمية الجنوب والمناطق الوسطى في الستينيات والسبعينيات بحيث نبدأ في تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ونزيد من عوامل إنجاح الدستور الجديد المستنبط من وثيقة الحوار الوطني.
الشعب لا يستطيع أن يصبر المزيد؛ فنحن بحاجة إلى حلول سريعة فهناك أكثر من 14.7 مليون يمني بحاجة إلى مساعدة إنسانية..!!
وهذا نداء بشكل خاص لرجال الأعمال الذين كرّسوا حياتهم وعملهم في العاصمة بسبب طبيعة الدولة المركزية في السنين الماضية، الآن فرصتهم أن يتركوا بصمتهم في مجتمعاتهم المحلّية في إطار الدولة الاتحادية ليصنعوا فرقاً ويدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه.
yteditor@gmail.com