لا تسير السياسية بخط مستقيم؛ لأن طبيعتها الصراعية تفرض عليها التقلُّب في مسارات متعرّجة, وتحوّلات متحرّكة بين تغير جزئي وتغير كلي, وعليه فإن مسار الاتفاق السياسي في اليمن لن يستقيم على صراط ثابت بل إن طبيعة تحقّقه بقدر من العنف والغموض تفتح الباب أمام عواصف متقلبة وخطيرة.
فأولاً, قد لا تنضبط حركة الطرف الأقوى على الأرض بما تقضيه حركة السياسة من مرونة, فتنحرف هذه الحركة عن مسار الواقع الذي قدّم لها الشرعية ومنحها التأييد الذي تستحقه كل حركة تستهدف الشراكة والتعايش على المصلحة المشتركة, وهنا نحذّر من أية نزعة نحو الإقصاء واتجاه نحو الاستئثار.
وثانياً, قد تتحرّك القوى التي خسرت هذه الجولة من الصراع, للثأر بأساليب التربُّص بالخصم، والاستعداد للانتقام منه, في فرصة سانحة قد تجود بها أخطاء الخصم, وقد تصنعها حركة الثأر في سياق الصراع المستمر.. وثالثاً, يقف الخارج القريب والبعيد في موقع المتحكّم بالواقع والمسيطر على حركته بأدوات أبرزها وأهمها الاقتصاد, وحين يكون بمقدورها شل الاقتصاد اليمني أو تحفيز وتعجيل انهياره الشامل والكامل, فإن اتقاء مثل هذا الدور الخارجي يضع صنّاع السياسة اليمنية في تحدٍ عصيب ودائم.
وأخيراً, تبقى عوامل أخرى مثل الجدّية في التنفيذ والمصداقية في الالتزام, ثم القدرة على الإنجاز كامنة في الواقع, وحاضرة في الأداء المنتظر؛ ليس فقط لتنفيذ الاتفاق؛ وإنما أيضاً لمواجهة التحديات وتقديم ما تتطلبه عملية بناء الدولة من تنازلات من قبل الأفراد والجماعات لصالح المؤسسية في إدارة الحكم, والخضوع الطوعي لسيادة القانون, وهنا تكمن تعقيدات العمل على سلطة محايدة ومؤسسية مجسدة لسيادة القانون.
وإجمالاً, فإن الاتفاق بين القوى السياسية اليمنية على السلم والشراكة بمرجعية مخرجات الحوار الوطني, يمثّل تحوّلاً مفتوحاً على تحوّلات أخرى ومحكوماً بسياقات داخلية وخارجية لا تجعله إيجابياً بالمطلق مالم تتجه به هذه الإيجابية نحو المستقبل المنشود والأهداف المرجوة.
وهذا كله يتطلّب إدراكاً للتحديات ووعياً بالمخاطر والعوائق وعزماً في العمل, وحرصاً على التوافق والشراكة, وتجنباً للاستعلاء والإقصاء, وتواضعاً في المنطق والخطاب, وذلك بما تتطلبه طبيعة البشر والنفس الأمّارة بالسوء من اعتراف بالحاجة إلى, والمصلحة من, معيار قانوني حاكم لأداءات الجميع, وآليات مؤسسية مفتوحة للعلنية والمراقبة وخاضعة للمساءلة والمحاسبة، وعليه نتفاءل.
albadeel.c@gmail.com