يقول الفيلسوف جون سيرل: «إنها لفكرة حسنة أن نذكر أنفسنا دائماً بالوقائع, وأن نذكر أنفسنا دائماً بما نعرف», ذلك أن الذاكرة الواعية بواقعها ووقائعه, وبما تعرفه عن ذلك من تاريخ وسيرورة, لا ترشد فعل اللحظة الراهنة فحسب بل ترشد حركة هذا الفعل باتجاه المستقبل وما يستدعيه من تخطيط واستعداد. وفي هذه اللحظات الحرجة بأزماتها المتفاقمة يمنياً وعربياً, يحسن بنا أن نذكّر أنفسنا بالوقائع وبما نعرف عنها ومنها من معطيات ودلالات, فحين نتذكّر أن حرب 1994م وما نتج عنها وترتب عليها هو مفتاح الأزمة الوطنية الراهنة ومن ثم نتذكّر ما نعرفه عنها ومنها أيضاً, فإن ابواب الحل تنفتح على اتجاه مشروط بالشراكة الوطنية ومتحقق بها خالصة من أي تزييف أو رواغ سياسي. تذكّرنا وقائع الأزمة السياسية الراهنة أن الهروب من استحقاق الشراكة الوطنية, واقتصار التغيير وحصره في إعادة توزيع السلطة والنفوذ بين مراكز قوى النظام القديم هو الذي - أي الهروب من استحقاق الشراكة - أفرز المسار الراهن للظاهرة الحوثية, والذي لن يتوقف عند أية تسوية ممكنة للأزمة، إذ استمد تداعياته إلى كل الملفات التي أريد الهروب منها والتلاعب بها بعيداً عن الحلول العادلة والعاجلة وفي مقدمة هذه الملفات القضية الجنوبية. كما تذكّرنا الوقائع وما نعرفه بأن التحايل على تغيير نظام الحكم الذي ساد في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح قاد إلى ما نحن عليه الآن من تأزم واحتراب والذين أصروا على رحيل أقرباء الرئيس السابق, وبقاء رموز حكمه من عصبيات العشيرة والقبيلة يتحملون مسئولية ما آلت اليه الأوضاع الراهنة, وما ستؤول إليه أزماتها المعقدة والمتزايدة. أما لماذا نذكّر أنفسنا بهذه الوقائع وغيرها وبما نعرفه, فذلك لنغتنم الفرصة القادمة, هذا إن بقي لدينا متاح من الوقت والقدرة على صناعة فرصة جديدة, ذلك أن الدكتور ياسين سعيد نعمان, كتب عن الفرصة الأخيرة لليمنيين وهو ما يعني أننا قد لا نجد فرصة أخرى, إلا أن الواقع لا يخلو من فرص, وقد أهدر اليمنيون فرصاً لا تُحصى ولم يبق معهم الكثير, لذلك لا خيار أمام أطراف الأزمة والمتفرجين عليها وكذلك ضحاياها, سوى تذكير أنفسهم بالوقائع وبما يعرفون ليحسنوا اقتناص الفرصة السانحة أمامهم للتغيير الحقيقي ولا شيء غير التغيير الفعلي للوضع العام.
albadeel.c@gmail.com