أن تعترف جماعة الإخوان في مصر بمعاهدة كامب ديفيد وتتعهد بالالتزام بها, ثم تترجم هذا الاعتراف عملياً من خلال قيام الرئيس المعزول محمد مرسي بتعيين سفير لمصر لدى الكيان الصهيوني, فهذا حقها السياسي بلا جدال, لكن الذي نجادل فيه إنكار الجماعة للنتائج السلبية التي ارتدت على الجماعة من هذا الاعتراف.
ربما كان ممكناً ألا يثير اعتراف الجماعة بكامب ديفيد ما أثاره عليها حتى من جماعات مؤيدة لكامب ديفيد ومتمسكة بها, لو لم تكن الجماعة قد جرمت المعاهدة واعتبرتها خيانة لمصر والقضية الفلسطينية, وتشددت في جعلها أبرز مواضيع معارضتها لعهدي السادات ومبارك, بل أن التطرف الديني اندفع في معارضة الكامب إلى مستوى اغتيال صانعها المقبور أنور السادات.
لم تقدم جماعة الإخوان تبريراً نظرياً لتحول موقفها من رفض الكامب إلى قبولها, فبدى التحول رديئاً الى تحول آخر للجماعة, التي أعلنت بعيد سقوط مبارك أنها لن تسعى للحصول على أغلبية برلمانية, ولن ترشح عضواً منها للانتخابات الرئاسية, ثم عدلت عن ذلك إلى نيل الأغلبية والرئاسية, وهنا بدا واضحاً أن التحول صفقة أبرمها الإخوان لولاية حكم مصر مقابل الاعتراف بكامب ديفيد تحت ذريعة احترام الاتفاقيات الدولية لمصر والالتزام بها.
كانت كامب ديفيد قبل وصول جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة مصر فاقدة للشرعية الشعبية, إذ لم يجر التصديق عليها من قبل هيئة ممثلة للإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع, لكن الجماعة أضفت عليها هذه الشرعية, أولاً من قبل تيار استند في رفضها ومعارضتها إلى مرجعية دينية وأغلبية شعبية وثانياً من قبل رئيس منتخب يمثل الإرادة الشعبية أصدق تمثيل, وثالثاً بتعيين هذا الرئيس سفيراً لمصر لدى الكيان الصهيوني, مصحوباُ بخطاب يحمل ختم الرئاسة وتوقيع الرئيس موجه لرئيس “دولة إسرائيل” شيمون بيريز.
غادر الإخوان سلطة الحكم في مصر سريعاً, لكنهم خسروا قبل السلطة مصداقيتهم السياسية, فقد باعوا موقفهم المبدئي في الكامب مقابل ولاية السلطة, وكان بإمكانهم تبرير ذلك لأعضاء الجماعة وأنصارها, ولا يزال بإمكانهم تقديم تفسيرهم لما جرى, خصوصاً وهم يحتاجون لقضية فلسطين في معارضتهم لنظام الحكم الجديد بمصر, والمسألة هنا أن الجماعة وقد قاربت المتغيرات ابتداءً بقرار الابتعاد المؤقت عن سلطة الحكم, فإن تحولها عن ذلك لم يبين على رؤية استراتيجية وازنت بين المكاسب والخسائر, أو بين المنافع والأضرار الناجمة عن تحمل الإخوان نظام كامب ديفيد وميراثه ومقتضياته في مصر ما بعد مبارك.
albadeel.c@gmail.com