تحث أيامنا خطاها سريعاً نحو لحظة فاصلة بين عامين: عام ولّى راحلاً بما دونه بنا وعنا, وعام مفتوح على جديد ما سنكبته في الصفحات البيضاء على أيامه القادمات, غير أن العام الراحل يقول لنا بكل ثقة وتأكيد إننا قدّمنا ما سنجده في العام الجديد.
من قليل فلسفة الزمن نقتبس قولاً يشير إلى أن اليوم حصاد الأمس وزرع الغد، والحياة على هذا القول فترات ودورات, قد تكون عند عامل اليومية يوماً وعند الفلاح مواسم وفصول, وعند التجار عاماً مالياً, وعند الدول ميزانيات سنوات وخطط عقدية, وفي حركة التاريخ حقباً وأجيالاً, ودهراً وعصوراً, والإنسان في كل هذا مسئول عما هو مسئول بالوقت عنه بدءاً من نفسه وانتهاءً بموقعه ودوره.
تقف اليمن أو يقف على أرضها يمنيون مسئولون عن جردة حساب محددة على مشارف عام جديد, ولعل القادة والساسة هنا ومن مختلف مواقعهم في المسئولية معنيون بهذه المراجعة السنوية لما قدموه لوطنهم وما حققوه لشعبهم, ليروا في سجله المدوّن بالدموع والحسرات كيف جنوا على أنفسهم في وطن غارق في الفوضى وشعب يستحق الخلاص.
تقول سجلات العام المرتحل إن الساسة أدموا صفحاته بالقتل والاقتتال, وحولوا أيامه إلى خوف ودمار, وأضافوه إلى ماضيهم المملوء بسوء الإرادة وعنف الإدارة, وسيئات الإهدار والإهمال, وتقول هذا السجلات إنهم قدموا في أيام هذا العام ما يسوء به حالهم في أيام العام القادم على اليمن بكل ما تحمله لليمنيين غياب الإرادة وسوء الإدارة كل عام.
تقول الأيام القليلة المتبقية من عام يوشك على الرحيل إنه لا أحد من ساسة اليمن معني بالوقوف عند لحظة زمنية فاصلة لمراجعة ما قدمت يداه لغده الآتي بلا ريب, حتى لمراجعة ما زاد له في رصيد الجيب من متاجرة سياسية أشبه بالمقامرة بوطن وشعب بلا خجل أو شعور بالذنب, وتقول هذه الأيام, إن هؤلاء لا يراجعون أمسهم ولا يفكرون بيومهم ولا يخططون لغدهم, وإن هذه هي الكارثة التي تنتقل عبر الأعوام في فراغ من ضمير أو كريم أخلاق.
وتقول الأيام إن اليمنيين على عهدهم يحرثون الأرض ويحرسون ما عليها من زرع وضرع ويجددون وعدهم للغد بالثبات على ما هم عليه من همة تسعى وقوة تنتج وتبني وقدرة على المقاومة والصمود, وهؤلاء هم من يجمّل قبح الساسة بما نراه جميلاً من قصر مشيد وحقل يميد, وأسواق مزدهرة بما تجود به يد الفلاح وعرق الراعي وكد النسوة وخيرات أرض لا تبخل في إعطاء المزيد.. تقول الأيام بين عام مرتحل وعام يتقدم نحونا إن رجل العام وامرأة العام في اليمن ليس اسماً بين الساسة ولا وجهاً مزخرفاً بمساحيق التجميل بل هما كل رجل قدمه على الأرض وكل امرأة يدها معطرة بالتراب.
albadeel.c@gmail.com