خرج نفر من أهل الحارة لأداء صلاة الصبح، ولم يكونوا يدرون أن «مريوم» مسكوبة على رمل المكان، ذلك أنها لم تكن نائمة البتَّة، بل منطلقة صوب مسارها المقرون باللامعنى واللاهدف.
هذه المرة كانت مستلقية على وجهها في الشارع العام للحارة، اقترب أحدهم منها.. صاح بأعلى صوته: مريوووم.. لم تجبه.. اقترب الآخر وبصوت أعلى من سابقه، ولا حياة لمن يُنادي، تجرأ الثالث على تحريكها بعد أن أفرغ كوب ماءٍ باردٍ على هامتها، لكنها ظلت غارقة في منامها الأبدي.
انتشر خبر موتها في أنحاء الحارة، فتجمهر الناس حول الجثة، وتدافعت النسوة نحوها، في مباراة حرة لتقديم الآراء والمقترحات حول أفضل السُّبل لتكريم مريوم في منامها البرزخي.
كانت الاستعدادات على أشدّها، والخرق البيضاء الناصعة تخرج من أبواب المنازل، والأبخرة تتناوب معارج تشكلاتها السَّديمية، والأطفال في حيرة مما يجري، والطيور تهرب من أوكارها، كما لو أن بها مسّ من جنون مريوم، والبحر يتحول إلى مرايا زجاجية تومض بصواعق من ضياء فاقع.
لكن هذه الظواهر كلها لم تفسر معنى موتها غير المنتظر، حتى جاء المنادي ينادي من بعيد: «يا أهل الحارة.. اعلموا أن مريوم ماتت بإرداة منها؛ لأنها سئمت من جِلدها وأسمالها وبيت صفيحها وقاربها المهوْدج.
منذ إصابتها بالجدري، ظلت على خصومة دائمة مع جِلدها الذي اخشوشن وتمزق ونزف دماً، فذهبت إلى مستشار موتها، وسبب نهايتها، فطلبت منه دواءً، فأعطاها نوعين من الأدوية.. مُسهِّل للبطن، ومرهم للجلد. قال لها: اطلِ جلدك بالمرهم ولا تشربيه، واشربي المسهل ولا تطلي به جلدك.
حينها التمعت عيناها بالتقاطة سحرية، فرأت بعين اليقين دابة سفرها الناعم صوب فراغ الموت.. فقررت شرب المرهم، وطلاء جلدها بالمُسهِّل.
كانت على ثقة بأن وصفتها الخاصة المناقضة لوصفة الطبيب المداوي هو المخرج لها من عذابها المقيم، وهكذا تداعت مع موتها المرصود في لوح الغيب، لتشاهد فجراً على قارعة الطريق، وهي في أجمل وأغرب موتة شهدتها الحارة.
Omaraziz105@gmail.com