|
|
|
|
|
مزالق النّص
بقلم/ دكتور/د.عمر عبد العزيز
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 8 أيام الأربعاء 14 يناير-كانون الثاني 2015 10:43 ص
عند الحديث عن النص يتبادر إلى الذهن لأول وهلة النص المكتوب، باعتبار أن تسمية «النص» اقترنت حسب ما هو شائع بالمكتوب من الكلام؛ تماماً كما هو الحال بالنسبة لكلمة «الثقافة» التي اقترنت في الأذهان بالثقافة العالمة ذات الصّلة بالنُخب الفكرية المُنتجة للنصوص المكتوبة بأشكالها الأدبية والفكرية، وفي كلتا الحالتين المتعلّقتين بمفهوم النص والثقافة معاً لابد من الإشارة إلى أن هذا المفهوم قد تحرّك قُدماً إلى الأمام وأصبح متعدّد الأبعاد والدلالات، وتقمّص أشكالاً مختلفة والتبس باجتهادات مُتباينة.
لذا وجب القول إن المقصود هنا بالنص يتعلّق بكل أشكال التعبير التي يمكنها أن تكون مكتوبة أو مرئية أو محكية، وبالتالي فإن مُعادلة التلقّي لتلك الأشكال تتعدّد بدورها، فالقارئ يقرأ بعدستي عينيه وقد يضيف إلى ذلك حركة الشفتين، وفي حالة القراءة عبر عدسات العين تصل المعلومة مباشرة إلى الدماغ ، وفي حالة تضافر العين مع الشفتين أثناء القراءة يستخدم القارئ حاسّتين معاً هما حاستا الصوت «القراءة» والصورة «النظر» فتصل الإشارة إلى الدماغ بطريقة أبطأ.
ولهذا كانت القراءة بمجرد النظر أوفر للوقت وأدْعى لاستلام المعاني بطريقة صافية نقيّة، لكن القراءة بالصوت لها ضروراتها الخاصة أيضاً، فالمعلوم أن من يريد إجادة قراءة القرآن الكريم فلابد أن يمر أولاً بمرحلة القراءة الجهرية التي تضعه في أساس الضوابط القواعدية والصوتية ذات الأهمية البالغة في استيعاب المعنى المطلوب، ودقّة استلام المعلومة.
والشاهد هو أن أسلافنا من طالبي العلم كانوا يتلقّون علومهم سالفاً عن سالف، وعالماً عن عالم عن طريق المُشافهة المباشرة، وقد كانت إجازة العلماء ترتبط بتلقّيهم المباشر عن سابقيهم من شيوخ العلم، كما أن الجامعات العصرية أخذت بنفس الفكرة، فأصبح الأستاذ المحاضر يشغل مكانة مركزية في العملية التعليمية، ذلك أن اتصال المحاضر بالطالب ليس اتصالاً لفظياً فقط، بل هو أيضاً وبدرجة حاسمة «اتصال غير لفظي» وبالمعنى الواسع للكلمة.
فالمُحاضر يُؤثّر في المستمع من خلال نبرات الصوت والتعابير الإشارية المختلفة، فتُصبح معادلة التلقّي الكامل للمحاضرة معادلة كُليانية تشتمل على الإشارة والعبارة معاً، وقديماً قال الرائي: «من لا يُدرك إشاراتنا لا تسعفه عباراتنا» وانزاح آخر بهذا المعنى ليعتبر العبارة قاصرة عن توصيل المعاني، فقال: «إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» والرائي ينظر بعينيه وقد يضيف إلى ذلك خياله المحلّق، كما أن المتحدّث ينطق بشفتيه وقد يضيف إلى ذلك إشاراته التعبيرية الشاملة، والمستمع الذي يسمع بأذنيه يتداعى مع عوامل الإبصار فيستوعب المعاني بطريقة مركّبة.
Omaraziz105@gmail.com |
|
|
|
|
|
|
|