هذه المرة كان على القادمة العتيدة أن تنبري لمناجزة الأحوال، والتداعي مع مفردات الأيام الحافلة بالصعود، وأن تصبح شاهداً آخر على تجربة مفارقة للسائد المكاني في أقاليم الجغرافيا القريبة التائهة.
كانت تنظر من عتبة إطلالتها الإماراتية كامل المشهد السابق الذي ألفته في حياتها الغابرة، وكانت ترى بعين اليقين أن ذات المشهد الغابر ما زال حاضراً في غير مكان من أقاليم العرب المقيمين في مرابع «بني عبس وذبيان».. هؤلاء الذين نصبوا خيام استرخائهم الكسول عند تخوم مجد آفل، وارتضوا سقوطاً حُراً، دونه ما يجري هنا وهناك من مصائب ومحن.
تلك الأفكار كانت تتدافع لتقض مضجع مريوم الجديدة، ففاضت بتشظيات مزعجة، وتأملات قلقة، فكان عليها أن تبحث عن مخرج لها وملاذ، فجاء الجواب الوجودي لتلك الحيرة كما لو أنه صُدفة تحمل في طيَّاتها وتضاعيفها معنى الضرورة. فبَدتِ المسافة بين الصُّدفة والضرورة شبيهة بالسؤال الأنتربولوجي العلمي الفلسفي النابع من معجزة «البجعة السوداء».. تلك المعجزة التي أرهقت كاهل المستكشفين الأوروبيين لقارة أستراليا.. يوم أن شاهدوا بجعاً بلون أسود لم يروه ولم يعرفوه من ذي قبل، فكان التفسير المباشر للذهن الاستيهامي الميتافيزيقي أن تلك البجعات ليست سوى سحر أسود من صنع السكان الأصليين، وربما كانت طاقة شيطانية تُجبر رائيها على التعوُّذ منها، واللجوء إلى استراحة الميتافيزيكا الموروثة من أديان الشريعة البروتستانتية الأنجلوسكسونية.
البجع الأسترالي ناصع السواد هو الوجه المقابل لبجع بحيرة الموسيقار الأرثوذوكسي السلافي تشايكوفسكي، لكنها برغم الاختلاف الظاهر حد التناقض تنتمي لذات الجنس، وتحمل ذات الخصال المقرونة بهذا الطائر الرشيق الجميل برشاقة مريوم وجمالها.
Omaraziz105@gmail.com