دأبت فاتنة الحارة على ليّ أعناق الرجال المتابعين لخطوها الواهن، وانسكابات أطرافها الناظمة لسيرهم المتئد، كما لو أنها تتعمّد قطع المسافات المحدودة في الحارة في زمن خاص ممدود تصنعه عمداً واختيارا.
ذلك الزمن الذي يتمدّد بإيقاع سيرها المتئد يتكفل بنشر أريج عطرها الفوّاح، وتداعيات قدميها المنسابتين في أثر من ضياء، وتناغم عودها الطري المنتشي بحيوية فتاة شابة لا ينقصها من كمال الهيئة وتكامل الصورة سوى فارس وسيم مغوار يمتطي بها جواد الحب الصافي الذي طالما انتظرته.
لكن ذلك الفتى الافتراضي أصبح بعيد المنال، يتباعد يوماً عن آخر من مساحات رؤيتها وتقديراتها واحتساباتها، فالمتوالية اليومية لتداعيات الزمن تختل تباعاً، والعوالم الجامعة للشباب من الجنسين تنحسر بقوة دفع تكنولوجي نانوي لا يعوّل على المشاعر والأوليات.
يتحرّك الجميع في الزمن الأثيري الافتراضي للوسائط المتعدّدة، منخرطين في ماراثون المطاردة اليومية للأنماط المجازية الصادرة عن الأجهزة المغناطيسية الرقمية.
وحالما يتسرّب جهاز من أنامل صاحبه؛ تبدأ مرحلة من البحث المضني عن التلفون المفقود، يتحرك صاحبه في تضاعيف الذاكرة ليكتشف مكان غياب الجهاز، وعندما يتغلّب عليه النسيان المنتشر في الأثير، يقوم بتفتيش الدواليب والجيوب، وتحت الأسرّة، وفوق الرفوف، وعند العتبات، وفي قوارير المياه الغازية، وداخل الثلاجة المنزلية، لكنه لا يجد الجهاز، عندها يقرّر التخلّي عن الذاكرة، ليبدأ مشواراً ماراثونياً جديداً مع جهاز أحدث، فيما تظل فتاة أحلامه الافتراضية قابعة في النسيان الأثيري للزمن الرقمي الجديد.
وهكذا أصبحت فاتنة الحارة كغيرها من ملايين الفاتنات في الكرة الأرضية؛ تباشر استعراض مواهبها في ملعب يخلو من المشاهدين، وتقوم بالتقاط صورها الفوتوغرافية التي لا تجد من يراها، وتعيش في أحلام اليقظة المتباعدة عن الحياة الواقعية، وفي نهاية المطاف تسير في دربها مسرنمة، وهي في صحو رابعة النهار..!!
Omaraziz105@gmail.com