مشهد الجنازة الذي يرد في رواية “امرأة خضراء” يستدعي العديد من المقاربات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
• في الأحوال غير السويَّة يتحوَّل الموت إلى مناسبة كرنفالية، لإعادة إنتاج الرزايا والمفاسد، وتباشر الجماهير العفوية هرجاً ومرجاً يتناسب مع طاقة الوهم والاستيهام.
• حالة الجنازة تصوير مُبكِّر لمآلات “ربيع العرب” في نسختها المصرية، فالثورات المغايرة لمألوف الحال تقع بيد الأشاوس من العوام الصارخين، والنخب الشريرة من أوليغاركيا المال والنهب العام، فيما يتحوَّل فيها المِثال والحُلم الألفي الفاضل إلى محنة، كما قال ذات يوم بعيد عالم التاريخ والانتربولوجيا الكبير “جوستاف لوبون”، وكما قال قبل ذلك الإمام علي رضي الله عنه.. قال: “الناس إمَّا عالمٌ أو متعلم، أو همجٌ رعاع .. أتباع كل ناعق”.
• ضحايا موت الأنظمة الجائرة ليسوا أقل مصيراً من موت النظام، وهكذا نشاهد أن موت العمَّة كوثر ترميز أقصى لتلك الحالة، دون أن ندَّعي أنها تشبه الأنظمة الجائرة.
• في هذا المشهد نتابع لغة ترادفات واشتغالات سردية غنائية رشيقة، كتلك التي تذكرنا بروائع الراحل الكبير جابرييل جارسيا ماركيز، مع خصوصية خاصة نابعة من ذات المؤلف.
• القيم الوصفية ذات النوابض التشكيلية، نراها في عديد المُقاربات البصرية السريالية، وحتى الجرافيكية، وتلك التي تعتدُّ بثنائية الاحتشاد والفراغ، مما يمكن ملاحظته في النسيج العام للنص السردي.
ويبرز هنا السؤال الصاعق: أليست حياتنا الماثلة، بل وزمن التاريخ المعروف معزوفة سريالية بامتياز؟ ألم يكن المعري محقاً عندما قال:
من راعه زمن أو هاله عجب
فلي ثمانين حولاً لا أرى عجبا
اليوم كالأمس والأفلاك سائرة
الناس كالناس والدنيا لمن غلبا