الفن التشكيلي ، النقد ، الكتابة الصحفية ، والإبداع الشعري والسردي ، مستويات متنوعة تجلي في نهاية المطاف حقيقة واحدة..
وهي بهذا المعنى في حالة تناص إبداعي ، وتحولات، وتقاطعات ، أستطيع أن أعبّـر عنها بمصطلح (النص)، وبالتالي ، فإن النص قد يكون كتابياً ، بصرياً ، موسيقياً ، و قد يكون عقلياً أو ذوقياً ، قد يكون محكوماً بالمنطق الشكلي و البرهاني ، و قد يكون موصولا ً بما يتجاوز المنطق الشكلي والبرهاني ، سابحاً في الغيوب، وناظراً لما وراء الآكام والهضاب.. تبعاً لذلك ، أجد نفسي في هذه النصوص فيما أغيب عنها ، فهي لا تمثل في نهاية المطاف سوى بعض من بعضي ، بكلمات أخرى : نحن نكتب الزوايا والمقاربات النقدية ونرسم ونستمع للموسيقى و كأننا مشاركون في عزفها ، لكننا في ذات الوقت ننتظم في إطار البعد البرهاني الرياضي الجبري، ونتيقّن بأن كل الفنون و الآداب محكومة بلوغاريتمات رياضية جبرية لا فكاك منها ..
أفهم الجبرية كمقولة كونية من خلال الناظم الأكبر للوجود . هذا الناظم مموسق بالضرورة ، قائم على التوازن ، محكوم بقانونيات داخلية لا مفر منها ، فلا طير يطير إلا بخصائص فيزيائية ، وظيفية ، إنسيابية . ولا دابة تعيش تحت الثرى إلا لأنها تمتلك ما يؤهلها لذلك ، وتتابعاً ، تبدو حرية الكائنات بأشكالها الحيوانية والنباتية حرية مدوزنة بقوانين داخلية، فإذا افتقد الطير بعض ريش جناحيه يسقط ، وإذا أصيب الحصان بأحد أرجله لا يستطيع أن يركض ، وإذا اختل التوازن البيولوجي الداخلي في الإنسان يفقد التركيز والتذكر والقدرة على إعادة إنتاج الذات والمعاني .
إننا أمام جبر مؤكد ، لكن هذا الجبر يفسح فضاءات للتجريب والمحاولة و الخروج والانزياح فيما يحتفظ بالضابط الأصلي للجبرية ، وهي جبرية قاهرة كتلك التي وصفها امرؤ القيس في قوله :
ترانا ناظرين لأمر غيب
و نسحر بالطعام و بالشراب
فكأنه يُماهي بين الحقيقة الوجودية الجبرية والتوق إلى التحليق فيما ليس وجودياً جبرياً . إنها ذات المحنة التي حدت بنيتشه إلى أن يطلق صرخته محتجاً على تصاريف القدر .
لا يخرج النص عن القوانين الجبرية التي أسلفت ، فإذا أخذنا النص المكتوب ، مثلا ً، فإنه محكوم بقوانين هندسية بصرية ، موسيقية صوتية ،لا مفر لها من الانتظام في إطار الجبر ، فإذا كتبت كلمة فإن ميزانها الصوتي يستقيم على تناوب الحركة والسكون تناوباً موسيقياً جبرياً ، مثل : مستفعلن ، فعلن ، مستفعلن ، فعلن ..
وبذلك نجد أن الميزان الصرفي والموسيقي الصوتي متناغم ومضبوط بالأوكتافات الموسيقية التقليدية ، فماذا يعني هذا ، إن لم يكن جبراً ؟ وإذا خرجنا من ذلك فإننا ننشّز، وميزان النشاز في الصوتيات والمرئيات ميزان واحد ، فعازف الموسيقى لا يستطيع خرق السلم الموسيقي لأنه إذا فعل يُنشز، غير أنه يستطيع، في إطار السلم الواحد ، أن ينوع وأن يعمل تنغيمات وحواشي ونمنمات ، لكنه لا يستطيع أن يخرج من السلم بأي حال من الأحوال.
Omaraziz105@gmail.com