العنف المدرسي ليس وليد اللحظة؛ بل يُستعمل في بلادنا منذ عقود خلت ولايزال كطريقة تربوية رئيسة خاصة في المدارس الحكومية التي تعجُّ بالكثير من القصص لحالات العنف المدرسي سواء التي سمعنا أو قرأنا عنها أم تلك التي لاتزال أسيرة الصمت والسكوت والخوف، قصص تخفي الكثير من المعاناة والألم الذي يعيشه التلاميذ في بعض المدارس تحت مسمّى «العقاب المدرسي» الذي لا يمت بصلة إلى العملية التربوية والتعليمية.
صحيح أن العنف ضد الأطفال «عموماً» ظاهرة تُمارس على نطاق واسع سواء في الشارع أم في البيت؛ لكن ما نراه في المدارس يُعد الأخطر، والسبب أنه يأتي من مؤسسات يُفترض بها أن تكون صاحبة الدور المهم في نمو شخصية الطفل وتربيته وتعليمه وتوجيهه باعتبار أن التربية السليمة هي أساس بناء المجتمع وتطوّره، إلا أن ما يحدث هو أن العديد من هذه المؤسسات التربوية تغضُّ الطرف عن استخدام الكادر التربوي للعنف كوسيلة عقابية للتلاميذ دون مراعاة الآثار السلبية التي يتركها على هؤلاء الناشئة، فنجدهم يمارسون العنف وبقسوة شديدة ضد الأطفال، حتى وإن امتنع بعضهم عن استخدام العقوبات الجسدية؛ إلا أنهم يستعيضون عنها بالعقاب اللفظي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات النابية، والتجريح بالألفاظ المُهينة في إطار التهكم والسخرية والتشهير وإذلالهم أمام أقرانهم، وفي الحالتين تكون النتيجة واحدة؛ وهي أن العنف بشقيه ـ الجسدي واللفظي ـ لا يؤدّي فقط إلى كره الأطفال للتعليم والهروب من المدارس؛ بل إنه يترك تأثيرات سلبية عميقة وخطيرة على الطفل تظل تصاحبه طوال حياته وتنعكس على مختلف نواحي شخصيته النفسية والعاطفية والجسدية.
لايزال الكثيرون منا ـ للأسف ـ يقرنون صورة المعلم بـ«العصا» كإحدى الوسائل الأساسية في العملية التربوية والتعليمية، بل إننا كمجتمع لانزال نؤمن بصوابية الأخذ بالقول المأثور: “العصا لمن عصى” سواء داخل الأسرة أم في المدرسة أو في إطار المجتمع بشكل عام، لذلك نجد أن المعلمين يتفنّنون في تمثُّل هذه الأداة التعليمية والتربوية ـ حسب وجهة نظرهم ـ ما بين العصا الخشبية أو المسطرة الخشبية، وأحياناً الحديدية، كما لا يعدمون أشكالاً أكثر قسوة في الزجر والردع مثل السلك الكهربائي أو الأنبوب المطاطي وغيرهما من الأشكال التي تتشابه إلى حد كبير مع طبيعة وأسلوب ووسائل العقاب والزجر وفق المفهوم التقليدي للسجون..!!.
عديد الدراسات والأبحاث العلمية أثبتت أن المعلّم الذي يمارس العنف لاعتقاده أنه الأسلوب الأسهل في التربية والتعليم وضبط النظام والمحافظة على الهدوء، إنما يعكس تربية التسلُّط التي عاشها عندما كان صغيراً على التلاميذ الصغار أمامه، فنجده يحرص على أن يتفنّن في الضرب المبرح، ويخترع أساليب أكثر قسوة وإيلاماً وكأنه يتلذّذ في تعذيب جسد الطفل الصغير، وهذا لا يجعل منه معلّماً كُفءاً بل شخصية «مازوخية» مريضة تتلذّذ بتعذيب الآخرين.
وزارة التربية والتعليم دائماً ما تُصدر توجيهات وتعميمات شبه سنوية بشأن العقاب المدرسي يقضي بمنع استخدام العنف كإجراء عقابي في المدارس وتحريمه تحريماً قاطعاً لما له من أضرار سلبية على حياة الأطفال التلاميذ، لكن ما يصلنا بين الحين والآخر من أخبار عن حوادث عنف من بعض المدارس هنا أو هناك يؤكد أن هذه التوجيهات لم تؤتِ ثمارها، والنتائج المتوخاة منها خاصة أن البعض لا يزالون ينظرون إلى حوادث العنف في المدارس على أنها فردية، بينما هي في حقيقة الأمر أصبحت ظاهرة خطيرة ومتفشية في معظم مؤسساتنا التعليمية، حيث تُمارس على نطاق واسع؛ إلا أن أغلبها لا يخرج إلى العلن بل يبقى طي الكتمان.
ختاماً نقول: العنف المدرسي أضحى ظاهرة خطيرة تهدّد مستقبل الجيل الناشئ ومستقبل البلاد بشكل عام، وإذا ما أردنا أن نبني جيلاً متعلّماً قادراً على الإبداع والابتكار؛ فإنه من الضرورة بمكان أن يتم القضاء على هذه الظاهرة نهائياً، وهذا لن يكون إلا بالتعاون الجاد بين كافة أطراف العملية التعليمية من إدارة تربوية ومعلّمين وأولياء أمور وتلاميذ.
k.aboahmed@gmail.com