لا أدري ما السبب الذي يجعل معظم القوى المتنازعة تتفق ضد التمديد، بل إن الإصلاح تحدث عن إعداد سريع لدستور في العام القادم، ومع انتهائه تكون هناك سلطة منتخبة. عادةً تكون الاتجاهات المحافظة الأكثر ميلاً للاستخفاف بالناس.. هل لخطابها اليقيني القائم على مرجعية دينية؟ خطاب تضليل راديكالي قادر على تبرير أي تناقض.
من وجهة نظري يمارس الإصلاح مناوراته مثل كثير من الأطراف التي ترى في نفسها آهلة لملء فراغ السلطة، لكن تلك التيارات المحافظة المثقلة بما تسعى فيه لتعزيز امتيازاتها غير قادرة على التعلم من الأحداث.. حتى تلك الميليشيات المسلحة التي ترى أنها متأهبة للانقضاض على الواقع السياسي والتهامه لم تعد ترى من الواقع سوى فوهات السلاح التي يحملها مقاتلوها، ودائرة المعارك التي ترسم بها شكل الواقع، حتى وإن كانت تسعى لتعزيز خطاب طائفي منقسم، فهي تراهن أن يكون الوطن جثة لتعتاش عليه.. فالمحاربون القادمون من خلفيات دينية وعصبوية يشبهون طيوراً سوداء تدور فوق جثة محتضرة.
فهل اليمن يحتضر؟ وإلى أي حد يمكن أن يعيش في غيبوبة موت مؤقتة؟ أقول مؤقتة لأن اليمن استمر عبر التاريخ وسط تنازعات وانقسام، في دوائر حروب غير منتهية، بطريقة تفوق أي بلد آخر، مع ذلك فقد بقي أبداً هو اليمن.. فإن كل المسميات الطائفية لم تلغ حضوره القوي، وهذا ما على اللحود المؤقتة أن تعرفه؛ التيارات الدينية التي تراهن على توسيع المفاهيم الطائفية وتعزيز الشرخ الديني وتحويله إلى شرخ وطني؛ إذ تسعى واجهات الصراعات الطائفية كالحوثي والإصلاح أو السلفيين من ذلك تصفية حلبة اليمن لمصلحتها، أي أن تكون اللحد الذي تعيش فيه اليمن موتها المؤقت.
فالقوى المحافظة لحظة الثورات لا تريد التخلي عن امتيازاتها بأي ثمن، بل على العكس، تزداد تمسكاً بها، وهو السبب الذي يجعل الأزمات تتفاقم والسخط يزيد نحوها. فهي تحاول احتكار المناصب العامة والوظائف، ومع زيادة التزاحم وقلة الموارد تقل الفرص أمام الطبقة الواسعة.. وما هو واضح بعد الثورة في اليمن وإزاحة علي صالح الذي عانى الأغلبية من حكمه ومن احتكار الثروات لمصلحة فئات محددة، فها هو اليوم يتجلى هذا التزاحم من أجل الاستحواذ على الامتيازات السابقة، فالقوى المتحالفة في عهد النظام السابق، والتي بدأت تتباعد مصالحها، نتيجة الصراع على الثروات، في بلد فقير الموارد، تحاول اليوم أن تشكل تواجدها كأطراف منتصرة.. وهذا السبب الذي يجعل كثيراً من الناس يعتقدون أن ما حدث في اليمن ليس ثورة.
مع ذلك لا يمكن أن تكون تلك الرؤى صحيحة بأية حال من الأحوال، لكن ما حدث، إن نفس المجاميع المحافظة تريد أن تحتكر كل امتياز لمصلحتها.. لذا تقوم نفس الأطراف بإعاقة المرحلة الانتقالية، وترفض التمديد، لا تريد أن تكون هناك خطوات صحيحة للدولة، فكل طرف يجد في هدم الاستقرار جزءاً من أجندته.. وكل طرف يساهم في الإعاقة للمرحلة الانتقالية فإنه في الوقت الذي سيحصل فيه على قدر أكبر من الامتيازات سيعود ويبرر للتمديد.. وعندما يأخذ الإصلاح ما يريد لمراكز نفوذه، سيكون التمديد شيئاً مسلماً به.
علينا أن لا نجعل اليمن فريسة لأي من تلك اللحود.