أدَّت سياسة المحافظين الجُدد في الولايات المتحدة إلى انبعاث النزعة القومية البطرياركية الروسية، وتزاوجت تلك النزعة مع الموروث السوفيتي العتيد، والإمكانيات المادية الهائلة المقرونة بقدر كبير من التبصُّر والتؤدة، حتى جاءت الأيام بما أثبت صحة رأي الاستراتيجيين الأمريكان الذين انتقدوا سياسات واشنطن الهجومية على روسيا.. ولعل بروفة جورجيا المتمرّدة خير شاهد على خيبة تلك السياسات، فقد اكتسح الجيش الروسي جورجيا بموجب اتفاقية تنص على أن «أوسيتا الجنوبية» ذات حكم خاص، وسقط الرئيس الجورجي «تشكسفيلي» في مستنقع أوهامه، والتزمت الولايات المتحدة الصمت المطبق إزاء صديقها المهزوم علانية، وهكذا فعلت مع كامل «الأصدقاء المُستبدّين» في العالم العربي، بحساب التوصيف الأمريكي لهم؛ وقد كان «الربيع العربي» شاهد حال على هذا التخلِّي البراغماتي، حد المراهنة على الإسلام السياسي في المنطقة العربية.. لكن روسيا وجدتها فرصة سانحة لتقلب الأوراق والطاولة معاً، ولتباشر دوراً أمنياً عسكرياً ودبلوماسياً شديد التأثير على تطوّرات المنطقة العربية.
الموقف الروسي من أحداث سوريا، وتطورات الوضع المصري خير شاهد على ذلك الدور المعبِّر عن عودة روسية بطابع سوفيتي مُعدَّل ومُشفَّر، وتزداد هذه العودة زخماً وقيمةً إذا عرفنا أن التنين الصيني يرمي بثقله الكبير مع الموقف الروسي، وأن منظومة واسعة من دول أوروبا الغربية تعيد النظر في استجاباتها التلقائية للإرادة السياسية الأمريكية، وشاهدها الأكبر موقف البرلمان البريطاني من فرضية التدخّل الأمريكي في سوريا.
الأيام القادمة حُبلى بشواهد هذه الحالة الروسية الدولية التي تستعيد مجد السوفييت، ولكن في أفق مغاير تماماً لتخشُّب وبيروقراطية وطوباوية النموذج السوفيتي.