عـادت اليمن إلى واجهة الأحداث مؤخراً من خلال سلسلة الاغتيالات التي طالت عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية والقيادات العسكرية والأمنية ، حيث توّج هذا المسلسل- مع الأسف الشديد- باغتيال الشخصية البرلمانية وعضو مؤتمر الحوار الوطني عن الحوثيين عبد الكريم أحمد جدبان الأسبوع المنصرم.
وليس غريباً أن تأتي هذه التطورات المؤسفة متزامنة مع اقتراب توصل المكونات السياسية داخل مؤتمر الحوار الوطني إلى مخرجات آمنة تضمن للتجربة الانتقال إلى مرحلة جديدة في إقامة الجمهورية الثالثة وأبرز ملامحها الأساسية إقامة شراكة وطنية كاملة غير منقوصة بين الشمال والجنوب، تضمن فضاءً من الحرية والعدل والمساواة وكفالة حقوق الإنسان والحكم الرشيد.
إن مبعث حالة العنف المتزايدة في الشارع المحلي خلال هذه الفترة إنما يعبر –دون شك – عن الضيق والحنق الذي يستبدّ ببعض القوى السياسية المتضررة من إنجاز هذه التسوية التاريخية .. وبالتالي محاولة خلط الأوراق بين مكونات المجتمع في محاولة لاستهداف وحدته الوطنية وتماسكه الاجتماعي.
ولاشك أن التداعيات المؤسفة جراء أحداث صعدة بين الحوثيين والسلفيين قد ألقت بظلالها الكئيبة على وتيرة الحياة اليومية لليمنيين، وذلك بالنظر إلى خطورة مآلات هذه التطورات على النسيج الوطني.. وهو ما يستدعي – كما أشار إلى ذلك الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي – ضرورة التغلب على مظاهر التشدد والتعصب والتأكيد على إشاعة أجواء التضامن والألفة والمحبة والسلام .
وبطبيعة الحال، فإن الأمر لا يقتصر – فقط – على أطراف محلية بعينها من مصلحتها تعطيل مسيرة التسوية والحل، ولكن ثمة أطرافاً إقليمية أيضاً تشارك هذه الحسابات لمصالح التوسع والنفوذ، سواءً على أساس مصالح توسعية أو لدواعٍ مذهبية لم تعد خافية على أحــد.
وفي هذا الإطار، فإن ثمة تسابقاً محموماً بين خياري التسوية السلمية أو الذهاب إلى الإحتراب الأهلي.. وبين هذين الخيارين ولاشك – يقف اليمنيون أمام تحدٍ حقيقي.. ولابد والحال كذلك من وقفة جادة وحكيمة ترفض سيادة منطق الذهاب إلى خيار الحرب واستبدال ذلك بتعميق قيم الولاء الوطني والاحتكام إلى لغة الحـوار ونبذ كل أشكال التعصب المذهبي والمناطقي والجهوي، خاصة أن الفرصة لا تزال ماثلة أمام اليمنيين من خـلال مؤتمر الحـــوار الوطني الذي يحتم على كافة المكونات السياسية التغلب على هذه التحديات وسرعة الانتقال من حالة التردد في حسم نتائج مؤتمر الحوار إلى إعلان التوافق على قيام بنيان الدولة المنشودة، قبل أن يفلح محور الشر في تلغيم ذلك!!.