في تقديري الشخصي، إن ما جاء في وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية أكثر مما قدمتـه وثيقـة العهد والاتفاق لحل الأزمة قبيل حرب صيف 1994م، ذلك أن وثيقة حلـول وضمانات القضية الجنوبية قد هيأت الظروف الملائمة لمعالجة مجمل الاختلالات من جذورها و وفرت – في نفس الوقت – الضمانات الكفيلة بتنفيذها، فضلاً عن أنها تؤسس لمستقبل يضمن للجميع حق المشاركة العادلة في السلطة والثروة واقامة مداميك الدولة المدنية الحديثة.
ولست أقف عند هـذه المضامين فحسب، بل إن ثمة ميزات اضافية تتمثل في أن هـذه الوثيقة تؤكد على القطيعة كلياً مع موروثات الماضي في تجـاربه المريرة.. والأخـذ بمجموعة الضوابط عند تحديد الأقاليم في إطار النظام السياسي الجديد والحفاظ على وحدة الوطن في إطار هذا التعدد الإقليمي.
وتبعاً لذلك فليس مستغرباً أن تتبارى الاجتهادات وتتضارب التصريحات في ما يتعلق بوثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية، وبالذات من قبل تلك القوى السياسية المشاركة ضمن مؤتمر الحوار الوطني والتي حددت لنفسها خيارات مسبقة في وقت كان المفترض عليها أن تترك مساحة للحوار بشأن باقي الخيارات ذات الصلة بالتوافق على الدولة الجديدة وبحيث لا يختتم مؤتمر الحوار إلاّ وقد استنفذ المتحاورون كل السبل من أجل التوصل إلى صيغ تكفل ضمانات مخرجات آمنة بما في ذلك شكل النظام السياسي وبصورة لا يتبقى بعدها غير الإجراءات الدستورية ذات الصلة بقيام مؤسسات الدولة الجديدة سواءً في إطارها الإقليمي الاتحادي أو في صلتها بالمركز .
ومما يستغرب له في هذا الإطار أن ينبري البعض للحديث عن تأجيل بحث موضوع الأقاليم أو شكل الدولة إلى مرحلة ما بعد انتهاء مؤتمر الحوار. . وفي هذا الطرح ضرب من المستحيل باعتبار أن ذلك يعد فشلاً ، إن لم يكن نسفاً كاملاً لصيغة الحوار نفسها.
والحقيقة ، لا تزال ثمة فرصة إضافية وثمينة أمام المتحاورين تتجسد في ضرورة تدوير تلك المخرجات عبر أدوات الحوار داخل المؤتمر ومنها تكليف الأخ عبد ربة منصور هادي، رئيس الجمهورية، رئيس مؤتمر الحوار بتشكيل لجنة تحديد أقاليم الدولة الاتحادية وذلك بتفويض من مؤتمر الحوار الوطني وعطفاً – كذلك – على الصلاحيات الدستورية المخولة له في إطار منظومة مؤسسة الحوار .. وبالتالي فإن على جميع الأفرقاء تمثُّل مصالح الوطن العليا والعمل بكل الجدية والمسؤولية والقناعة الصادقة لإنجاز ما تبقى من مهام أمام مؤتمر الحوار، وذلك لإخراج اليمن من حالة اللاتوازن الراهنة إلى عتبات مرحلة جديدة تقوم على أسس العدل والحرية والمساواة والديمقراطية والشراكة الوطنية غير المنقوصة .. فهل تكون هذه القوى عند مستوى ومسؤولية هذا الاستحقاق؟!