كانت موسكو وعلى مدى أيام التمردات اليمينية في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق تتصرف برويَّة مقرونة بمخاطبة مصالح عموم مواطني تلك البلدان، فلم يُعرف عنها أنها قطعت الإمدادات الغازية عن جيرانها المحتاجين لهذه الخدمة، ولم يُعرف عنها أنها بالغت في اسعار الطاقة، لتعجيز القائمين على أمر الحكم والحكومات في تلك البلدان.. بل ظلَّت تراهن على العلاقات الخاصة ذات الطابع التاريخي الجيوسياسي مع أوكرانيا وغيرها من بلدان الفلك السوفيتي السابق، وها هي الآن تقدم الطاقة بنظام أفضليات فريد المثال، فيما تصرف النظر عن تراكمات الديون، بل وتقدم مساعدات وإضحة المعالم، وهو الأمر الذي استوعبه بعض فرقاء الشارع الأوكراني من جهة، كما رجَّح كفة الوسطيين في معادلتي العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا من جهة أُخرى.
إلى ذلك شَرَعت موسكو في نصب سلسلة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، على خط الحزام المتاخم لها في بلدان أوروبا الشرقية، لتشعر حلف الناتو بأنها جاهزة تماماً للرد الاستراتيجي، طالما ظلت صواريخ الحلف منصوبة في بعض بلدان أوروبا الشرقية. كما أعلنت موسكو مؤخراً أنها أنجزت قطار صواريخ متوسط المدى، سيكون بمثابة حزام رد على أي احتمال لاستخدام الصواريخ الحاملة للرؤوس المدمرة ضد روسيا.
جملة هذه الحقائق تعيدنا مرة أخرى إلى الأسباب الجوهرية التي حَدَتْ بأوكرانيا للتقارب مع روسيا بدلاً عن أوروبا، كما تشير إلى المستويات المتقدمة للنجاحات السياسية الروسية التي ما كان لها أن تصل إلى هذه المثابة لولا الأخطاء الأمريكية المتتالية على عهود بوش الأب وبوش الابن .. تلك الأخطاء التي كبَّلت إدارتي بيل كلنتون وأوباما، وما زالت تفعل فعلها في السياسة الأمريكية (الآوراسيَّة) على امتداد أوكرانيا وبيلاروسيا ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا وبولندا على خط الشرق، وجورجيا وكازاخستان وقرقيستان وطاجكستان ,وأذربيجان على خط الجنوب، وصولاً إلى كامل الشرق الأوسط الذي ينسلُّ من قبضة الولايات المتحدة بمتوالية متسارعة، دونها ما نشهده في مصر، وعلى سبيل المثال لا الحصر.
الحلقة الأوكرانية في معادلة المُتغيِّر السياسي الروسي تكتمل مع بقية الحلقات، وتؤكد أن روسيا المتحالفة مع الصين تتجهان صوب المزيد من استعادة مجد الثنائية القطبية السابقة، ولكن بتعددية مفتوحة على احتمالات كثيرة.
Omaraziz105@gmail.com