الرواية الثانية لسيرة البهلول “دمدم” تقول إنه ولد لأب يماني قادم من ذُرى الجبال، وكان ذلك الجَبلي من ذوي البشرة البيضاء، وأنه تزوج حسناء حبشية سمراء، فأنجبت دمدم، الذي لم يرث مَعْلماً لونياً أو شكلياً من والده، فسرى لغط بين نسوة الحارة الثرثارات. قالوا بأن والدته لعوب سابقة، وأنها من رواقيي الأحباش العاشقين للمتعة، وأنها جاءت به سفاحاً من أسمر حبشي !! . انتشر اللغط بين نساء الحارة كالنار في الهشيم، ومازال دمدم الصغير في قماطه غائباً عن زمن البشرية، وكان والده اليماني يبدي ضيقاً وتبرماً من منظر ابنه الأسمر الداكن، وكان كثيراً ما يحملق في أنفه المختلف وشفاهه غير الدقيقة، وفي لحظة من أزمنة الجنون والتعصب نما إلى علمه ما سرى في الحارة من أقوال حول الشك في انتساب ابنه له!! .
عصر ذلك اليوم البعيد احتار الوالد بين عصبيته وصفائه الديني، فاستشار قلبه ثم فرد الحصيرة للصلاة. توضأ ثم صلى ركعتي استخارة، طلب من زوجته أن تشعل التنور، فكان أن اشتعل التنور لهباً سرعان ما استحال جمراً متقداً، أحضر الوالد ابنه الصغير دمدم وقال : اللهم إن كان هذا ابني أنجه من النار، وان كان ابن سفاح فليحترق بالنار!!.
جرت مراسيم قذف الجنين في النار أمام رؤوس الأشهاد، وجزعت أمه التي كانت تولول صارخة .
قال شهود العيان لم يحترق دمدم بالنار!! ، فأخرجه أبوه وقبله بين عينيه وهو يشمخ رافعاً وليده أمام أعيان الحارة.
تكررت قصة البهلول بأشكال مختلفة، لكن الثابت أنه وكعادته ظل ينساب مع خيط الدخان الأبيض الصادر من أعلى مبخرته الخضراء الموشاة بالبياض.. متجولاً بين أروقة الحارة ومنازلها، فيما تتواشج كلماته المبهمة مع الروائح الغامضة، في الوقت الذي ينصرف الأطفال فيه لحالة من الاحترام الاستثناء للبهلول الذي كانوا قبل حين يزعجونه.
Omaraziz105@gmail.com