جدتي الحاجَّة « بُلُّو علي دقوود» ورثت عن والدها أهم صفة فيزيائية تمثلت في حجم الأذنين الكبيرين نسبياً، لكنها بالمقابل ورثت جماليات الأنف الدقيق، والعينين اللماحتين الغائرتين في لجة المعاني الكاشفة عن محجرين فريدي التكوين، كما ورثت الشفاه الجميلة الموشاة بنعومة الصوماليات، والقوة البدنية المفارقة لرشاقتها الرشيقة، والأهم من هذا وذاك الذكاء النابه، والرؤية الاستشرافية التي كاستشرافات زرقاء اليمامة.
قبيل وصول حملة «إعادة الأمل» الأمريكية إلى ساحل مقديشو بسنوات، قيل لي إنها أشارت بالبنان إلى البحر قائلة: «من هنا سيأتيكم عدو مبين، يفتح الباب لموت دائم وأنين» .. وهذا ما حدث بالضبط، وقبيل وفاتها بسنوات كانت ترى موتانا الغائبين وتسأل عن أحوالهم، وكأنها معنية بأمرهم! .. كانت كمن يرى في الحضور الماثل للبعض، غياباً قادماً، وتسأله قائلةً: «ما أخبار موتانا ؟!»، ولم نكن ندري أن ذلك السؤال كان ينطوي على إشارة نبوئية، بأن الحي الماثل أمامها هو في عداد الموتى قريباً.
تلك السجايا والهبات الإلهية لم تكن نابعة من معرفة عالمة بالقراءة والكتابة، بل من علم لدُني منحه الله إياها.
الدأب الذي ترافق مع حياة الحاجة ظل مستمراً وهي فوق المائة من العمر، وكانت في حياتها المديدة دائرية الهوى والهوية، وكأنها تستمد تلك الروح من مثابة العدد الدائر الذي يعيد إنتاج نفسه دون انقطاع، فالدائرة الخماسية مثابة تتشارك فيها علوم الرياضيات والموسيقى والهندسة، وهي الترميز الأقصى للكائن الصادر عن «برج الفأر» الصيني .. ذلك البرج الذي أزعم أنه صفة من صفات الدائرين الثابتين غير المُحتارين، وهكذا كانت الجِدَّة الحاجة.. صادرة عن يقين إيماني بالغيب ، وحضور أفقي في الزمان المتصل ببرازخ المجهول، والثقة الدائمة بالانجاز الممكن، والمحاصرة البراغماتية لما يحيط بها من أحوال ومهام وصروف.
Omaraziz105@gmail.com