مجاميع مسلحة تهاجم السجن المركزي في صنعاء وساعدت على هروب مساجين. تطور عمليات يشتبه بوقوف تنظيم القاعدة وراءها، يؤكد على تدهور الوضع الأمني في العاصمة، لكن الأخطر من ذلك، هو أن التنظيمات الإرهابية والمسلحة تخترق الأجهزة الأمنية. ما يحدث يعطي انطباعاً يشكك بقدرة الدولة اليمنية على احتواء ظواهر الاضطراب الأمني والسياسي، وهذا أحد أشكال فشل الأطراف الفاعلة والمشاركة في الحكومة.
لا تحتمل اليمن مزيداً من التدهور في الوضع الأمني، لكن بما أن الأجهزة المعنية لا تستطيع فرض سيطرتها على كافة المناطق، فعليها تأمين المناطق الحيوية، مثل العاصمة. إن ذلك يعطي ثقة بالدولة، ومع توسع ميليشيات مسلحة في فرض سيطرتها على مناطق من اليمن، سيكون هذا التشكيك من دواعي نجاحها، أو هذا ما ستتصوره، لأن نجاحها في فرض الأمن على المناطق التي تسيطر عليها، سيمنحها قبولاً على الأقل في مناطق سيطرتها.
غير أن الإشكالية الكبرى في تداول الأطراف السياسية لحدث بهذه الخطورة. حلفاء علي صالح، اتهموا الإصلاح بتهريب المتهمين بحادث النهدين، بينما رد الإصلاح بأنها قاعدة علي صالح، وهذا التداول غير المسئول لقضايا بهذه الأهمية يغطي على الجماعات التي تقوم بتوجيه ضربات موجعة للدولة خلال السنوات الماضية.
هل ترى تلك الأطراف السياسية أن هذا الخلل يخدم صراعها على السلطة، فالوضع برمته يشي بانهيار محتمل للدولة.
عندما تنجح جماعات إرهابية بمهاجمة السجن المركزي وسط العاصمة، فإنها تعطي انطباعاً مبدئياً بسقوط الدولة، على الأقل سقوط في حماية مراكزها الحيوية.. نحن نعرف أننا في مرحلة عصيبة، لكن الأطراف السياسية أو النخب المطالبة بخلق خطاب وطني يحمي الدولة، نجد على العكس أننا في وحل المناكفات والمهاترات عديمة القيمة. سلسلة طويلة من الاعتداءات الإرهابية، والمشينة، مرت دون أن تجابه بحملة وطنية.. الأطراف السياسية مخطوفة في الحصول على الدولة، أو في الوقوف على الفراغ السياسي، مع ذلك هم يتركون التداعيات تضاعف من الفراغ.
في الواقع، الانفلات الحادث هو كذلك علامة على انقسام عميق في المجتمع، انقسام في التركيبة الرسمية لأجهزة الدولة، خصوصاً أننا في مرحلة انتقالية خلفتها ثورة أطاحت بالرئيس صالح. ثم إننا أمام انقسام داخل المجتمع نفسه، إذ تتحول المعادلات السياسية إلى نتائج فورية للاصطفاف مع أي طرف سياسي أو أيديولوجي، فالقيمة الواضحة لشكل السياسة اليمنية تصفية حسابات لمصالح ضيقة، سواء لأولئك التي تبلغ أرقامها مليارات أو لأولئك الذين يكادون يسدون بطونهم.
تضعضع الدولة الوطنية في اليمن خلال العقود الماضية، اختطف من اليمني هوية مصالحه، وليس فقط ذلك الشعار الكبير «المصلحة الوطنية». فالانقسام مؤهل لأن يصبح عنفاً طائفياً، مع أن اليمني حتى اليوم، رغم كل التداعيات يؤكد وجود مناعة ضد هذا التوحش، فبلد كالعراق غرق في الصراع الطائفي منذ أول يوم لسقوط صدام حسين، مع ذلك، الأكثر خطراً هو ضحالة النخب السياسية وتهافتها على قضم ما يمكن من بلد منهك، والمجتمع لن يصمد طويلاً في بحر من التأجيج لمواجهات من هذا النوع، فاليمني مستعد لأن يتحول أيضاً إلى كائن متوحش بالعنصرية والطائفية، ويمكنه كذلك العيش في بحر من التعدد، بحسب ما ستتخلق شعارات نخبه ومصالحها، أي أننا نعاني من أجل مصالح نخبنا الضحلة.
فقبل فترة، تبنى الإصلاح حملة رهيبة عبر أعضائه من أجل تبرئة متهمين بالهجوم على جامع النهدين. وعندما ظهرت أحكام قضائية خفيفة الأحكام، لجريمة مرعبة، لا صوت ظهر، حتى نحن مر علينا دون أن ننتبه، أقصد الأحكام المخففة ضد متورطين في جريمة السبعين. فالحكم القضائي لوحده يؤكد وجود هذا التواطؤ والانقسام داخل أجهزة الدولة، انقسام مستعد على تبرير الجريمة وتبرئتها، كما أنه في المجتمع سيكون أكثر عنفواناً لتبرير جريمة النخب، بل عندما يتحول معظمنا أدوات لجريمة وضحايا، فكل ما نحتاجه هو مواجهة جادة وعميقة لهذا النوع من الانتهاك لجسد الدولة المتعبة.