القائلون بأنهم لا ينسون، هم أقرب الناس إلى فقدان الذاكرة ، ذلك أن المسافة بين الذاكرة وفقدانها أشبه ما تكون بالمسافة بين النسيان وعدم النسيان ، والشاهد أن البشر ينسون ما لا يريدون تذكره ، ويتذكرون ما لا يريدون نسيانه ، ومن هنا تنشأ المخاتلة في التعامل مع الماضي ، فالغالبية العظمى من ذوي الجاه والسلطان لا يحبون استرجاعاً عبر الماضي القريب ، ويهربون من متابعة مصائر نظرائهم الذين اعتقدوا أنهم ملكوا الدنيا وما عليها ومن عليها ، فإذا هم خاسرون خائبون، بل إن البعض منهم يغادر المجد والسلطان إلى مزبلة التاريخ .
يجدر بقيادات العرب، الطارئين على التاريخ والجغرافيا والمعنى، استرجاع الذاكرة قليلاً ، ليتحولوا إلى قيادات مجازة بمرسوم الحقيقة ، وإذا لم يفعلوا ذلك ستكون الذاكرة لهم بالمرصاد، وسيخرجون من القصور إلى الأجداث ، كما حدث مع أسلافهم الميامين .
هذا الكلام موجه لكل من يعتقد أن بوسعه مغالبة الذاكرة ، ومقايسة النسيان ، والإتيان بما لم يستطعه الأوائل .. هذا الكلام موجه للقيادات اليمنية المتشاركة في صنع الخيار والاختيار ، وهم جميعاً مطالبون بنعمة النسيان عند الغضب واستذكار الثارات ، كما أنهم مطالبون بنعمة الذاكرة إذا تعلق الأمر بخيارات الرشد والرشاد، فهل هم فاعلون؟.
الأيام الماثلة هي محك الاختبار الأقصى للحكمة ، كما أنها حُبلى بالجديد المدهش، والتليد الكئيب ، والأمر برمته رهن المنطق والعقل ، وما دونهما الجنون والخسران .