في العادة ينصح الأطباء بعدم تناول الوجبات الدسمة لضررها على صحة الإنسان ،إلا أنهم يلحّون في الحث على الإكثار من والوجبات الدسمة التي تحتوي على شتى فنون الخلق والإبداع والجمال والتي تنمّي المدارك والمعارف والعلوم وتغرس قيم الخير والمحبة والتسامح.
وبالطبع ،فإن هذه الوجبات العقلية والروحية لا يمكن أن تتكدس داخل سندوتشات «الهمبرجر» و«الشوارما» أو أنها إحدى مكونات طواحن المحشي وفي صحون المشويات.. وإنما يجب أن تكون داخل محتويات البرامج الإعلامية الهادفة والسجالات الثقافية البنّاءة.. وفي استعراض التجارب الإنسانية الخالدة ،فضلاً عن مواكبة إيقاعات العصر بكل ملامح «التشاؤل» التي تجمع بين التفاؤل والتشائم.. والمفردة للروائي الفلسطيني أميل حبيبي.
***
وفي هذا السياق تبرز ـ كذلك ـ أهمية أن يتضمّن الخطاب الإعلامي ـ الثقافي تذوّقاً للموسيقا و الاستماع إلى وصلات الطرب البديع.. وفي إحاطة العقل بذخائر التراث وكنوز العلم وإمتاع النفس بزاد الانشراح وتقريب المسافات بين الناس والشعوب دون الاستلاب للوسائل التي تحرّك العواطف وتشذ بالعقل إلى زوايا الضيق وعداوة الآخر!
هذا هو الدور المنوط بوسائط الإعلام والمعرفة.
..وهذا هو المرجو أيضاً من دوائر الثقافة والإعلام ومرجعيات الفكر والتربية ،غير أن ما يحدث هو العكس تماماً ،إذ يلاحظ تراجع هذا الدور مقابل اتساع رقعة التوحش البشري.. وتحفيز بقع الدم وتعميق أنماط الأنانية والسلوكيات التي تتنافى وآدمية الإنسان ومُثُله الأخلاقية.
***
فعلاً ..يعيش الإنسان المعاصر تراجيديا هذه المعادلة الصعبة، حيث مهرجانات الصخب في حفلات الزار التي لا تنتهي.. وحيث الأصوات المجلجلة وضوضاء الموسيقا الصاخبة وإيقاعاتها المخيفة.. وحيث تتراجع لحظات الزمن الجميل وتباشير الفرح والمسرّات وسط هيستيريا حفلات الزار والشعوذة وطغيان اختلاط الألوان!
***
كل الأشياء الجميلة التي بتنا نبحث عنها وسط ركام هذه اللوثة لم نجد لها تفسيراً إلا في كونها الوجه الآخر للحقيقة التي تتعارض مع قناعاتنا ومفاهيمنا، حتى لا أقول إننا ننفي صحتها.. إنها باختصار الوجه الآخر للواقع تحت ظلال حفلات الزار!