قدّمت لنا موريتانيا البعيدة، القريبة تجربة فريدة المثال في العالم العربي، وأثبتت للقاصي والداني أن الجواب الناجز لسؤال المستقبل قد يأتينا من حيث لا نتوقّع.
والشاهد أن موريتانيا ـ المؤسّسة العسكرية ـ وضعتنا عند حقيقة مفارقة لكامل الطُغم العسكرية السائدة في المنطقة العربية، وفي وقت مبكّر عن انبثاق واشتعالات «الربيع العربي».
الجيش الموريتاني الذي قاد انقلاباً عسكرياً نمطياً بالمواصفات المتعارف عليها؛ هو ذاته الذي قرّر القيام بعملية إصلاح جذرية، معتبراً نفسه أميناً على أداء مهمّة محدّدة خلال عامين، ثم تسليم السلطة الانتقالية إلى الشرعية المنتخبة.
وهذا ما حدث بالضبط خلال ولاية الجنرال الحكيم «أعلي ولد فال» الذي حرص ورفاقه على إتمام الرسالة وتسليم السلطة إلى الشرعية الانتخابية؛ في سلوك فريد ومغاير لمألوف الحال في المنطقة العربية.
اليوم وبعد مرور سنين على تلك التجربة المؤثّرة؛ تسافر موريتانيا نحو مجد مؤكد، فاللعبة السياسية تجري وفق قواعد تستوعب الخلاف والاختلاف، وتجعل المصلحة العليا نصب أعين الجميع، وتقدّم للعرب نموذجاً فريداً في زمن التغوّل والتهوّر.
ربيع موريتانيا التغييري سبق بقية بلدان العرب، ومسارها على درب التوافق الحكيم مازال مشهوداً رغماً عن الصعوبات، وآفاق التمثُّل الحصري للمعنى يطلُّ بتمام بهائه الجميل لتكتشف دون أدنى صعوبة أن جواب المستقبل يصلنا من هناك، من قلب الصحراء الكبرى، وفي أقصى المغرب العربي، وفي بلد طالما اعتبره المركزيون العرب أبعد ما يكون عن تقديم النموذج الأجمل والأفضل.
Omaraziz105@gmail.com