من شواهد الممارسات الفاقعة للدين السياسي ما قامت وتقوم به حركة طالبان في أفغانستان، وما يقوم به تنظيم الشباب المجاهد في الصومال، وما حدث غير مرة في بعض أقاليم اليمن أثناء سيطرة الجماعات الجهادية، وما يقوم به اليوم تنظيم داعش في الموصل العراقي، وغيرها من أقاليم سيطرته المعلنة، وآخرها تخيير مسيحيي الموصل بين دفع الجزية، أو مغادرة «ديار الإسلام»، تاركين وراء ظهورهم تاريخهم وانتماءهم العروبي وأملاكهم وذكرياتهم !!
تكمن المشكلة الكُبرى في مفهوم التشريع الديني، في ذلك الاستدعاء الميكانيكي للنصوص، مع قدر كبير من المجافاة الواضحة للاجتهاد في التفسير والتأويل، وهو أمر يتعارض جذراً مع شواهد من القرآن الكريم والتاريخ، فالشاهد القرآني يتمثَّل في قوله تعالى: «قُل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً»، والشاهد التاريخي نجده في عام الرمادة الذي علَّق فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حد السرقة، ناظراً إلى محنة المجاعة التي حاقت بالأمة في ذلك العام.
التشريع قد يكون مغايراً للشريعة، من حيث إن التشريع نابع من اجتهادات ناسويتة في التفسير والتأويل، فيما النص الإلهي ثابت على قابلية التماهي المنطقي مع المتغيرات في الظروف والأحوال. النص إلهي، فيما التشريع بشري اجتهادي، ومن هنا يتم التواصل والتفاصيل بين المستويين.
إذا أخذنا مفهوم إقامة الحدود، وعلى سبيل المثال لا الحصر، سنجد أن هذا المفهوم قد تحول تاريخياً بالترافق مع المجتمع ومتغيراته، فأحكام الإعدام التي كانت تتم بالسيف في اليمن التاريخي تحولت إلى تنفيذ بأدوات مختلفة، ولعلها تتغير في المستقبل دونما تخل عن جوهر العقوبة ومعناها.
أصبحت المفاهيم التعريفية للمخالفات القانونية متناسبة مع مستجدات الحياة وتعقيداتها وفضاءات تكييفاتها القانونية الاجتهادية ذات الصلة المؤكدة بالنص والعرف معاً.
Omaraziz105@gmail.com