احتدم جدل بنّاء بين نخبة من الانتلجنسيا العربية الثقافية حول ماهية المشكلة الجوهرية التي تنتصب شاخصة أمام الفكر السياسي والمجتمعي العربي الراهن ، واتفق المتحدثون على تشخيص الداء ، ولكنهم تباينوا وكالعادة في تحديد الدواء ، فمنهم من اعتبر أ ن جذر المشكلة يكمن في منطق التفسير والتأويل للمقولات الدينية، ومنهم من رأى المشكلة في التعارض المفتعل بين الدين ومقتضيات الحياة في تحولاتها الدائمة، ومنهم من وقف عند حد الحيرة وفقدان البوصلة ، لكنهم أجمعوا على حقيقة واحدة لا جدال فيها ، وتكمن هذه الحقيقة في كوننا أمة مأزومة ، وأننا في لحظة الذروة من الانحطاط المقرون بالتنافي العدمي .
أعتقد أن مثل هذا الجدل المكاشف لحقائق الأوضاع العربية يستحق التأصيل على المستويات التشخيصية والخلافية معاً، فبدون هذا الخلاف لن نصل إلى الحقيقة ، وبدون المكاشفة لن نعرف طريق الصواب ، وفي تقديري الشخصي المقرون باجتهاد القابل بالرأي الآخر، أن المشكلة الجوهرية في الفكر العربي الشاخص تكمن في تلك الحقيقة المرعبة التي ترينا كيف نعيد إنتاج مفردات البؤس التاريخي ، وكيف أننا ما زلنا محاصرين بالدائرة الكئيبة التي تعيد إنتاج نفسها منذ أن خبت الثورة المعرفية العقلانية بتلاشي الرشدية الفلسفية، والنزعات العقلية الاعتزالية، والوسطية الأشعرية العاقلة ، والمكاشفات الدافقة للمعرِّي وابن سيناء، وإسهامات العرفانية السامية لابن عربي والغزالي .
لقد توقف الاجتهاد منذ لحظة الانهيار الكبير عند سقوط الأندلس بالترافق مع ملوك الطوائف ، وها نحن اليوم نشاهد بأم أعيننا أمراء الحرب والطوائف الذين يمزقون جسد الأمة ، ليقدموا نصراً مجانياً لمتوحشي الفوضى الخلاقة ، المتدثرين بأردية الزيف المخملي للديموقراطية والحرية والعدالة.
أعتقد ـ جازماً ـ أن الأمة العربية لن تقوم لها قائمة طالما ظلت قابعة في ذات المربع الذي شكّل محرك الدفع القاتل لأميز خصالها المرصودة في تواريخ البهاء، لحضارة سادت ثم بادت.
Omaraziz105@gmail.com