تقدّم لنا التجربة السياسية في الفترة بين توقيع اتفاق التسوية السياسية للأزمة اليمنية في 23 نوفمبر 2011م, وتوقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية في 21 سبتمبر 2014م معطيات جديرة بالدراسة العلمية المعمّقة والهادفة إلى معرفة الوقائع وتفسيرها واستخلاص الدرس التاريخي عن الأدات المتصلة بالمجال السياسي لكل الفاعلين في هذا المجال.
نبدأ بالسؤال عن المقدّمات التي آلت سيرورتها خلال الفترة الانتقالية إلى أزمة مركّبة من الفشل في تسوية الأزمات المختلفة ومن العجز عن إنجاز أي تقدّم ملموس شعبياً في مهام التغيير, ومن ثم مقاربة هذا السؤال بما يصله بالمقدّمات التي يضعها الآن اتفاق السلم والشراكة لنحدّد بموضوعية الأولويات الملحّة والعاجلة, ونتجنّب أخطاء وخطايا الفترة الانتقالية.
نقول هنا إن وقوف شركاء الوفاق الوطني في حكومة باسندوة عند تقاسم هيئات إدارة الحكم, والإغفال بقصد أو جهل لكل أولويات التغيير المطلوب شعبياً لبنية ووظائف نظام الحكم الذي ساد 33 عاماً برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح, وهي الأولويات التي تبدأ من المهام التمهيدية والضرورية لتهيئة أجواء الانفراج والانتقال السلمي للسلطة وإعادة بناء الدولة, والأمثلة لهذا واضحة في عجز حكومة باسندوة عن تنفيذ ما عُرف بـ«النقاط العشرين» ثم «النقاط الإحدى عشرة» التي توافقت عليها القوى السياسية لتهيئة مناخ الحوار الوطني حول ملفي الأزمة في القضية الجنوبية وقضية صعدة.
وربما كان الإهمال القاتل للقضية الجنوبية الذي وصل ذروته في أعمال مؤتمر الحوار الوطني ومحاولات بعض مكوّناته القفز على هذه القضية إلى أوهام الحفاظ على الوحدة والهروب من مواجهة الشروخ المتزايدة في الجسد الوحدوي, أقول ربما كان هذا الإهمال هو القشّة التي قصمت ظهر بعير التسوية, ووضعتها في مسار معطّل عن مواجهة الواقع ومستجدّاته ذات الصلة باستحقاقات الفترة الانتقالية وما تقتضيه نهايتها الزمنية في فبراير 2014م.
هنا يبدو لنا جلّياً أن المشهد الذي ارتسم بالتوقيع على اتفاقية السلم والشراكة في 21 سبتمبر, كان مقرّراً أو مفروضاً أن يرتسم في الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار أو قبل نهاية فبراير 2014م ليكون برنامج العمل السياسي لفترة محدودة من تمديدها لفترة انتقالية أو الانتقال منها إلى فترة جديدة تؤسّس على أسس الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية, ومع هذا فالاتفاق الجديد ملغوم بملابسات المواجهات المسلّحة وصراعاتها, ومهدّد بتدخلات خارجية أبرزها التهديد السعودي المحتمل لمواجهة ما تراه نفوذاً إيرانياً في جنوبها.
albadeel.c@gmail.com