مهما تفنن بعض الساسة والكتاب في ذم الحوثيين وتوصيف الخطر المحمول على تفردهم المحتمل على سلطة الحكم في اليمن, فإن كل ذلك في الصادق منه والكاذب لن يسقط الحقيقة القاطعة في دلالتها على أن الحوثيين جزء من تركيبة المجتمع وتعبير صادق وأمين عن البنية المادية والمعنوية للمجتمع اليمني وتجلياته المختلفة.
ومهما كانت القوة المسلحة لجماعة أنصار الله أو الحوثيين, فإن هذه القوة لن تستطيع وحدها إخضاع الشعب لسلطانها المطلق وتسلطها بالبغي والعدوان على مصالح الجموع وحقوقها المشروعة إنسانياً وسياسياً وإذا تمكنت من هذا فإنها تضع نفسها في طريق السقوط السريع والزوال التام.
إن مقاربتنا الأمينة والصادقة للظاهرة الحوثية ومحاولتنا تركيب صورتها على حقيقتها القائمة في الواقع والمتحركة به ومعه بذات القوانين الناظمة للاجتماع الإنساني والحاكمة لحركته وصراعاتها السلمية والعنيفة, أقول إن هذا يساعدنا في صياغة تطور سليم للتعامل معها برشد إن لم يستطع ترشيد وجودها وتهذيب سلوكها بسلم وعدل, فإنه يمكننا من دفع بغيها وردع عدوانها بما يحفظ الحقوق ويحقق العدل ويقيم الأمن والسلام.
ولأن الحركة الحوثية نتاج مجتمعها وتعبير عن “وضعه التاريخي”, فإن الخطر المحمول على هذه الحركة والمحتمل منها يكمن في احتمال أن تعيد الحركة إنتاج التسلط الفردي وعصبياته العشائرية.
واغتيال الحلم الوطني بحكم رشيد في دولة ديمقراطية عادلة, وكاملة بالمواطنة وحقوقها السياسية, خصوصاً وأن الصعود الأخير للحركة وانتصاراتها خرج من رحم الصراع بين مراكز القوى القبلية على المصالح والنفوذ في سلطة الحكم متمردة على سيادة القانون.
يمكن دفع هذا الخطر المحتمل من خلال احتواء الحركة الحوثية في إطار مشروع وطني تحمله بقية القوى السياسية والمجتمعية, وتجعله أساساً وحيداً لعلاقاتها بالحوثيين وتفاعلها الإيجابي مع الحركة الحوثية إما بالتعاون والتنسيق أو بالمواجهة والاعتراض, وكل تصور خارج هذا السياق الوطني لن يفلح في ترشيد المجال السياسي ولا في تجنب مخاطر التسلط المحتمل بالقوة , لأن الرغبات والأوهام تخرجنا من الواقع المتاح إلى فوضى الظن السيء بالنفس والغير.
وفي ظل الهيمنة الراهنة للأوهام وللأكاذيب في وصف الظاهرة الحوثية وتوصي حركتهـا الـمسلـحة وغـير المسلحة في المجتمع والمجال السياسي, و سنفقد البوصلة المحددة لاتجاهات حركتنا المتفاعلة مع الحركة الحوثية وفق المقتضيات الوطنية من هذا التفاعل وبما تستحقه ممارسات هذه الحركة سلباً أو إيجاباً.
Albadeel.c@gmail.com