كان الفنان «رمبرانت» من أكثر المصوّرين استغراقاً في استنطاق اللون الأسود، وقد ترسّم بهاء الألوان المشرقية الموصولة بشموس الشرق، واستدعى قوة «التضاد» بين الضوء والظل بطريقة مُمْعنة وباحثة عن تعبيرية اللوحة، وقد أضحى رمبرانت بحق مدرسة دالة في أُفق التعبيرية الفنية التي تستلهم مداها الراكز من قوة الظل وإيحاءاته المُفضية إلى ألوان الطيف وموسيقاها الأبدية.
وفي أُفق آخر تداعى «ديلاكروا» مع ذات الأُسلوبية مع قدر كبير من الغيم البصري الهارموني ودونما إغفال لمركزية اللون الأسود.
أما الفنان الصاعق المحترق «فان جوخ» فقد انعطف بكامل التيار الانطباعي في مدرسة التصوير الأوروبية ليشتعل مع محارق الألوان وسطوعاتها النارية، وما كان له أن يفعل ذلك دون استدعاء الدكونة وترميزاتها البصرية اللامتناهية، تلك التي اشتعلت في أعماقه قبل أن تنتقل إلى سطح القماش.
في جُملة الأعمال الفنية المُجيرة على من ذكرنا من فنانين؛ يمكننا ملاحظة قوة التعبير القادمة من مركزية اللون الأسود الذي سمّاه الفارابي «أسود» فحسب، ولم يعتبره في عداد الألوان، وقال: إنه رديف الظُلمة، وإنه المُعادل لكل ظهور لوني آخر، وهكذا جنح الفارابي إلى ما يقوله «النفري» استنطاقاً لقوة المثال «بكسر الميم» في دواخل الإنسان.
يقول النفري، وقال لي: قع في الظُلمة، فوقعت في الظُلمة، فأبصرت نفسي..!!. في لطيفة أخرى من لطائف السّير يتحدّث «نيلسون مانديلا» عن فترة سجنه المديدة بوصفها سبباً حاسماً في قوة جسده وروحه، فقد خرج من ظلام السجن ليكون بشيراً للسلم والتضامن والإخاء، لا الكراهية والعنصرية والبغض.
هكذا تكون العتمة رديفة «العماء» الذي يؤذن بانبثاقات وتجليات لا صلة لها بمكان وزمان مُحدّدين، بل بإشراقات نورانية تصلنا من كل الجهات دونما فرق.
Omaraziz105@gmail.com