حين لم تنجح عصابة قبلية في اختطاف أحد حراس السفارة الالمانية قتلته بدم بارد. قاوم الرجل الخاطفين، فعاقبوه برصاصهم. إنه الدرس الأول الذي تقوم به المجاميع المسلحة لكل أجنبي، حين تقاوم ستموت. حدثتني صديقة أوروبية أن الاختطافات في السابق، عندما كان يقوم بها القبائل، لا تشكل خطراً على حياتهم، لكن الأمر اليوم أكثر خطورة. ورغم الاختطافات المستمرة في فترة التسعينيات، كان عدد السياح الاجانب يزيد نوعاً ما، بل إن البعض وجد في الاختطافات مغامرة مع مسلحين في أرض سبأ تحفظ حياتهم، ثم ظهرت موجة تصاعد التطرف، لتجعل اليمن أسوأ بلد يمكن أن يكون في استقبال زواره.
في الواقع، كانت الاختطافات تعاقب اليمن في فاترينة الأخبار، وتتحول إلى شكل ابتزاز مع الدولة. أما اليوم فالمسلحون يخطفون الأجانب ويبيعونهم إلى مقاتلي القاعدة، الذين يساومون بهم بلدانهم، ويقبضون عشرات الملايين من الدولارات، أو يذبحوهم.. صنعاء صارت مدينة تبتلع ضيوفها وساكنيها، لا تحفل بهم. عندما تخلص القتلة من حارس السفارة الالماني، لم يرغبوا أن يخرجوا بيد فارغة، بل طافوا حول المدينة باحثين عن أي أجنبي، ووجدوا سيارة تابعة للأمم المتحدة واختطفوا أحد الأجانب.. أي كيف تجلى لأولئك السرح والمرح بعد ارتكابهم جريمة شنعاء، على مرأى الناس. حدثاً كهذا تسقط فيه حكومة، أو على الأقل قيادات مسئولة على الوضع الأمني.
أخبرني أحد أصدقائي عن الانفلات الأخلاقي الذي اصابنا كمجتمع، إذ لا تثير فينا تلك المظاهر أي موقف، سوى الرضوخ للأمر الواقع، هل فعلاً لم نعد نأبه لكل تلك الممارسات الحمقاء والمقيتة لا تثير فينا صورة الضحايا استنكار في ضمائرنا.. هل اليمني صار علبة سوداء فارغة من القيم؟ لا أدري، لكنني فعلاً أشعر بالعار، لأن هذا يحدث في بلدي، ولأنني جزء من مجتمع تخذله الصورة القاسية لعجرفة المسلحين. فعندما كنت أحاول أن أركن سيارتي، انتبهت لسيارة محملة بالمسلحين وسط صنعاء، بينما أحدهم يحمل بازوكة، فتخيلتني أركب دبابة في هذا المشهد البارد بكل مظاهر التخلف، بل كنت أرى في عيني المسلح نوعاً من البخترة المتعجرفة التي تستطيع أن تدوس على كل مظهر بشري محيط. فكنت أبدو مثل أكثرهم منكسر لهذا المشهد. كان هناك عدد من المسلحين يقفون أمام مستشفى، بينما أحدهم يغني زامل.
مدينتي التي أنتمي إليها أكثر من غيرها من المدن، تقتل وتخطف. لم تعد تتسع لأحد، لم تعد ترحب بأحد.. لا أريد ان أقول إني أشعر بالعار، لأني أنتمي لهذا البلد. لكني أولاً ابن هذا العالم، إنسان قبل كل شيء، ويثيرني مظهر الدم أياً كانت الضحية. منذ فترة لم تظهر الهولندية جولييت وزوجها المخطوفان من صنعاء، وكثيراً لم نعد نأبه لما يحدث.. الزنداني مؤخراً تشغله قضية أن ندفع الخُمس. لم أشعر بالخزي مثل اليوم، فهل نحن وطن العار.. تربينا على العار لكن بمعايير مختلفة، حتى العيب الأسود بالنسبة للأعراف القبلية اليوم، صارت تقاس بسحر المادة او سحر المال مع هذا، هناك طرف يلعب على الفوضى، ليؤكد أن بيديه إيقاف هذا العبث، بيده فقط وعلينا الرضوخ لقوته.لم نعد كيمنيين نخجل من هذه القيم، بل نتبجح بأسلحتنا وعشائرنا. نختطف الاجانب، ونقتلهم، بينما في بلدانهم يمنحونا حق الحياة.. هاهو اليمني يعزل نفسه عن العالم، وحين نقف مكتوفي اليدين أمام ما يحدث فإننا اخترنا المستقبل الأكثر ظلمة.