بعض دعاة العودة إلى الماضي يستقرئون التاريخ بطريقة مغايرة تماماً لقوانين التاريخ الموضوعية، ولا أعتقد شخصياً أنهم يقدمون حلولاً مستقبلية، بل العكس تماماً، ومن هنا أرى أن صيغة الدولة الاتحادية من مكونين، ينسابان بدورهما في ولايات متعدّدة، تمثّل الصيغة المثالية المقرونة بالمُمْكن السياسي، لأنها صيغة تغادر كافة الموديلات السابقة على النحو التالي:
تُغادر الجمهورية اليمنية الراهنة التي لم تعد قادرة على دفع استحقاقات التنمية والمستقبل والتطوير، والشاهد الانتفاضة الشبابية الشعبية السلمية ضد النظام.
تُغادر جمهوريتي صنعاء وعدن السابقتين على وحدة مايو لعام 1990م، لكونها لن تعيد الجمهوريتين.
تُغادر مشاريع السلطنات والإمامة السابقة على الجمهوريتين، لكونها حاكميات خبت منذ ذلك الحين، ولا فائدة عملياً من عودتها بعد عقود طويلة من تكريس الدولة اليمنية التوّاقة إلى الحداثة.
بهذه المغادرات الإجرائية والقانونية والعملية للماضي، مع التمثُّل الضمني لإيجابيات ما كان في الماضي القريب والبعيد، ستضمن المعادلة الاتحادية الجديدة سبباً حقيقياً للتحليق في المستقبل الآمن، المُسيَّج بالتنمية والتطوير.
تلك باختصار شديد رؤية أساسية، أعتقد جازماً أنها ليس صادرة عن منطق أيديولوجي، ولا استيهام يراهن على الممارسة السياسية التجريبية، ولا فقاعة إثارة يتوخَّى واضعوها مزاولة لعبة الخلط السياسي. بل أكاد أجزم أنها أنضج وأشمل رؤية قُدمت لمؤتمر الحوار الوطني اليمني حتى اللحظة، وفي طيَّاتها الكثير من المفردات والمتكآت التي تستقي أبعادها من قناعات المكونات السياسية والاجتماعية الأخرى.
من الطبيعي أن تكون هناك أقلية معترضة دوماً، وأن يكون هناك مجاميع من حملة المباخر، وعشّاق بالونات الاختبار. لكن هذا وذاك من رافضي التطوّر والنماء لا يستطيعون حرف المسيرة، إذا توفَّرت الإرادة السياسية القادرة على قول الحق، والقبض على جمرة الاستحقاق مهما كان الثمن.
لم يعد في الوقت متسع لمزيد من اللُّجاج البيزنطي، ولم تعد الساحة الشعبية اليمنية قادرة على تحمُّل المزيد من المكاره، وليس أمام القابضين على الحكم والحكومة من طريق آخر سوى الشروع في التوافق على الحل السياسي الممكن والمنطقي، والسير قُدماً على درب التغيير، مع الاستعداد الكامل لمناجزة مؤلمة لمن يرفضون التغيير ويمارسون التخريب والاستباحة.
Omaraziz105@gmail.com