• تسير العملية التعليمية في بلادنا من سيّئ إلى أسوأ، ومن يذهب إلى الجامعات سيجد العجب العُجاب، وسيكتشف ضحالة المستوى العلمي والمعرفي لدى الطلاب، مع أن المنطق والوضع الطبيعي يقولان إن أي طالب يصل إلى مرحلة التعليم الجامعي يجب أن تكون في جعبته كمّية معقولة - إن لم تكن كبيرة - من المعلومات والمعارف التي اكتسبها خلال مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، لكن ـ للأسف ـ نجد أن أغلب هؤلاء يأتون إلى الجامعة ورؤوسهم فارغة من أي معلومات أو معارف، بل إن بعضهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وهو ما ينبئ عن وجود خلل في التعليم العام خصوصاً في المرحلة الأساسية.
• فمثلاً ما نلاحظه الآن هو أننا لم نعد نرى أولئك التلاميذ الذين يحبّون التعليم وعلى استعداد للدراسة حتى في أيام العُطل حبّاً في المدرسة والتعليم، وما يحصل الآن هو أن أبناءنا يذهبون إلى المدارس مُكرَهين؛ إما بسبب كثافة المناهج الدراسية وصعوبتها أو بسبب طُرق التعليم التقليدية وغير المنهجية المُتبعة لدى المدرّسين، أو بسبب أساليب العقاب غير التربوية التي تولّد في نفوس الأطفال الخوف من الذهاب إلى المدرسة وعدم الرغبة في التعلُّم.
• من المعروف أن الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية الهدف الرئيس منها هو إكساب التلميذ مهارات القراءة والكتابة، وبالتالي يجب أن يصُب كل ما يتضمّنه المنهج الدراسي في سبيل تحقيق هذا الهدف، لكن الحاصل هو أن هذه المناهج وكثافة دروسها وموضوعاتها تشكّل عبئاً وحملاً ثقيلاً على التلميذ؛ تدفعه إلى اتخاذ موقف سلبي من التعليم وهو لايزال في سنوات تعلُّمه الأولى، والسبب أنه يصطدم منذ الوهلة الأولى لدخوله عالم المدرسة بمناهج تعليمية من جُزئين؛ أحدهما للفصل الدراسي الأول والآخر للفصل الثاني، والمشكلة هي أن امتحانات نصف العام تأتي ولم يتم إكمال دروس الجزء الأول من المنهج؛ وكذلك الحال في الجزء الثاني..!!.
• لماذا لا تكون المناهج خفيفة وتحقّق الهدف المطلوب منها خصوصاً في السنوات الأولى مدعّمة بالصور والرسومات، وهي الطريقة المحبّبة والمفضّلة لدى الأطفال للتعلُّم، وحتى نزرع رغبة التعلُّم لدى الأطفال ونحبّبهم بالمدرسة، ومتى ما تحقّق ذلك فإن التلميذ سيجد دافعاً أكبر وأقوى للتعلُّم، أما الآن ومع كثافة المناهج وقلّة الاستفادة منها فهي ليست إلا مجرد أحمال تثقل كاهله وعوده الطري دون أن يستفيد منها شيئاً..؟!.
• وهناك نقطة أخرى في هذه المناهج تتمثّل في أن بعض الدروس تبدأ أو تذيّل بأسئلة ليست لها إجابات في كتاب المنهج لا من قريب ولا من بعيد؛ وكأننا بواضعي هذه المناهج يطالبون الطفل الصغير الذي لايزال في طور تعلُّم أبجديات القراءة والكتابة أن يتحوّل إلى باحث لإيجاد إجابات لهذه الأسئلة؛ ربما قد تكون هذه الأسئلة موجّهة إلى المعلمين أو المربّين؛ لكن يبدو أن أغلب هؤلاء لا يعرفون إجاباتها؛ لأنهم بدورهم يحيلونها إلى أولياء الأمور للإجابة عنها، حيث يقومون بإقرارها كواجب مدرسي للتلاميذ الذين يطلبون من أولياء أمورهم المساعدة في حلّها.
• أما الأساليب العقابية التي يتّبعها بعض المعلمين في مدارسنا، فهي أساليب غير تربوية تؤدّي إلى نفور التلاميذ من المدرسة وعدم رغبتهم في التعلُّم ومواصلة الدراسة مثل العقاب الجسدي واللفظي، بالإضافة إلى ذلك العقاب المتمثّل في مطالبة بعض المعلّمين من التلاميذ كتابة الدرس خمسين مرة أو مائة مرة أو مائة وخمسين مرة في يوم واحد، وهو عقاب في ظاهره تعلُّم الكتابة؛ لكن في باطنه إرهاقاً وتعباً شديدين للتلميذ، ومثل هذه الأساليب تولّد لدى الطفل كراهية التعليم وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة؛ حيث ترتبط المدرسة في مخيلته بأنها مكان للعقاب والتعب والإرهاق.
• تلك هي بعض أسباب تدنّي مستوى التعليم في بلادنا؛ بالإضافة إلى جملة من الاختلالات المعروفة التي تظل تتكرّر كما هي كل عام وكأنها عصيّة عن الحل، الأمر الذي يتطلّب من الجهات المعنية ضرورة وضع الحلول والمعالجات المناسبة لها باعتبار أن التعليم حجر الزاوية في بناء المجتمعات والأوطان وصناعة المستقبل الأفضل ودون الاهتمام به وتجويده لن تقوم لنا قائمة.
k.aboahmed@gmail.com