حارة العرب التي ابتكرها الإيطاليون في مقديشيو كمكان خصص لتشييد سكنى المهاجرين اليمنيين، بَدتْ حاضناً مثالياً لجموع المهاجرين الذين جاؤوا مع الحملة الإيطالية في جنوب الصومال، وآخرون وصلوا هروباً من جور الإمامة في شمال اليمن، وحروب السلطنات في جنوبها. ومع الأيام تبلورت ملامح الحارة لتكتسي طابعاً حضرمياً بامتياز، كما تواشجت علاقاتها مع الجوار الصومالي المنتمي لقبيلة
abgaal
الطيبة، لتصبح الحارة لاحقاً نموذجاً للخلاسية الحقيقية بالمعاني الثقافية والإثنية.
كان للعالم مذاقه الخاص، وكانت الطبيعة البكر مفتوحة على عوالم الدهشة وتعددية البحار والرمال والبراري والتلال، وكان الأطفال يتساءلون عن منظر البحر الداكن المسطور على خط السماء الصافية كأنهما برزخان لا يلتقيان.
يسأل الطفل والده عبدالعزيز الحمودي: ماذا وراء هذا البحر؟
يجيب الوالد: وراء البحر بَرٌّ، وهو “بَرُّ العرب”، وإذا ما قطعت البحر ستصل إلى تلك البلاد التي جئت أنا منها.
كان بَرّ العرب إشارة ضمنية لخصوصية سيكتشفها الطفل ذات يوم آخر، ولم يكن لدى والده منحةً تتجاوز حدود المعارف الشفاهية الكلامية التي ظلت وسيلة القراءة الوحيدة لأعماق الحمودي.
الوالد لا يعرف القراءة والكتابة بالعربية، بل بالإيطالية، وتلك قصة تستحق أن تروى منذ بداياتها الأولى.
Omaraziz105@gmail.com
.