لـم يشـأ معرقلو التسـويـة السياسية خلال انعقاد مؤتمـر الحـوار الوطني الذي أنجز أعماله بنجاح كبير غير الإمعان في محاولة تفخيـخـه من الداخل بارتكاب سلسلة من جرائم الاغتيال، لعل آخرها اغتيال أحد أبرز قيادات «أنصار الله» وفشلها في اغتيال نجل القيادي الإصلاحي عبد الوهاب الآنسي في نفس التوقيت وسلسلة طويلة ممن قضوا اغتيالاً خلال الفترة المنصرمة، دفع ثمنها عديدون في السلكين المدني والعسكري على حد سواء وعلى امتداد الرقعة اليمنية.
في مطلق الأحوال فإن الخيط الرفيع الذي يربط بين كل تلك الجرائم وعلى اختلاف مواقع الشهداء فيها وانتماءاتهم السياسية والمناطقيـة، فإن تلك المحاولات كانت – ولا تزال – تستهدف تعطيل مسار التسوية السياسية عبر إثارة الشكوك بين الأطراف الفاعلة داخل مؤتمر الحوار، و لعل الأبرز في تلك المحاولات البائسة هو خلطها للأوراق لتصوير مشهد هذه التسوية وكأنه ضرب من المستحيل أو على الأقل التلويح بقدرات هذه القوى على فعل المزيد من ارتكاب هذه الجرائم ما لم يصار إلى تسوية أوضاعها في مرحلة ما بعد الحوار.
أمـا وقد أكد المتحاورون عند اختتام مؤتمرهم على المضي في طريق هذه التسوية التاريخية، فإنه لا يمكن لأية عقبة أن تعيق هذا الطموح المشروع للشعب اليمني في الانعتاق من أسر تداعيات الحروب والاقتتال وذلك باستكمال قيام الحكم الرشيد القائم على مرتكزات العدل والحرية والمساواة.
ولا شك أن الخطوة الأولى التي تعقب اختتام فعاليات مؤتمر الحوار ترتبط جدلياً بالتصويت على مشروع الدستور الجديد الذي سيُطرح للاستفتاء الشعبي عليه تلبية لرغبة الناس في التغيير العملي لمجمل الأوضاع الشاذة ومنها إخماد الحرائق التي يفتعلها البعض، فضلاً عن غياب دور مؤسسات الدولة وعدم فاعلية الإجراءات الأمنية لملاحقة وضبط الخارجين عن القانون والوصول إلى المسدسات كاتمة الصوت وأصحابها الملوثة أياديهم بدماء الأبرياء.
وقد تنفس اليمنيون الصعداء وهم يرون تباشير الفرج من خلال مخرجات مؤتمر الحوار بإعلان هذه الوثيقة المهمة على مستوى حاضر ومستقبل اليمن، الأمر الذي يرتّب أعباءً إضافية على مختلف مكونات المجتمع، ليس فقط على دعم وتأييد مشروع الدستور الجديد وإنما – كذلك – في مزيد من الاصطفاف الوطني لمجابهة الأصوات التي ستبرز - دون شك – لإيقاظ نعرات التطرف والتشدّد تجاه هذه المخرجات ومحاولة إخضاعها لمنطق القوة، بمعنى آخر إن واجب قوى المجتمع أن تتهيأ لمعركة الخير والشر التي بدأت منذ الأزل ولا تزال وستكون منتهاها في مصلحة الحق و مصلحة الشعب اليمني، ذلك لأن قيم الخير هي المنتصرة كما علّمتنا دروس التاريخ مهما بلغت حيل الماكرين وأبدع أصحاب نظرية خلط الأوراق!!