على المتشائمين النظر إلى أن البلد مازال حاضراً في مشهد القابلية العظيمة للتشافي والتعافي، وأن يتأمّلوا في المعنى العميق وراء تداعي النُخب السياسية والاجتماعية للقبول بعقد جديد يضع الجميع أمام خارطة طريق للتنمية والتطوير.
لكن هذه الصورة التي مازالت تحمل في طيَّاتها وتضاعيفها قدراً واضحاً من التفاؤل؛ تتقاطع مع صورة أخرى قاتمة الدكونة، وتتمثّل تلك الصورة في الحرب البينية الناشبة، تارةً بين الحوثيين والسلفيين، وأُخرى بين القبائليين المتصارعين على المراعي الوهمية، وطوراً بين الباحثين عن استعادة الدولة من جهة، والذين يريدون تدميرها من جهة أخرى، وفي الغالب الأعم بين المُتدثّرين بكلام النظام والقانون وهم في الجوهر يعملون ضد كل نظام وقانون.
تلك المساجلات الدموية طوراً، والعُنفية النفسية غالباً، تؤثّر إلى حد كبير على خيارات القائمين على أمر المؤسسة ونواميسها، كما تنعكس سلباً على المواطنين الحائرين القابضين على جمرة الأمل بمستقبل مغاير.
يلج الوطن طوراً جديداً في مشروع التحدّي للحاضر قبل الماضي واستتباعاته، ونسعد بموقف تضامني فريد، الماثل للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وبقسط وافر من الدعم الناجز للانتقال السلمي نحو التغيير، فيما تنعم البلاد بموقف دولي موحّد، عسير المنال في هذه الأيام التي تطل فيها الحروب الساخنة والباردة برؤوس حرابها القاتلة، حتى إن إدارة الحروب بالوكالة تقمَّصت أشكالاً شقلبانية أكروباتية لم نعهدها في زمن الحرب الباردة على عهد الثنائي السوفيتي الأمريكي.
إن كامل هذه المقدّمات تتطلب من فرقاء الساحة إدراك أن الكل منتصر إذا سارت الأمور قُدماً في اتجاه الدولة اليمنية الاتحادية الجديدة، وأن الكل مهزوم إذا ما عادت ثقافة الماضي غير المأسوف على خبوها وتلاشيها.
تلك هي الرسالة الناجزة لمؤتمر الحوار الوطني، الذي بقدر اختتامه الإجرائي تتواصل أجندته في الزمن المفتوح على التصالح والتسامح؛ ذلك الزمن الذي أنقذ اليمانيين من متاهات كانوا في غنىً عنها، وجعل أشقاء الإقليم العربي المجاور مُراهنين على التوافق البيني اليمني، ووضع العالم في منصة التأييد الشامل لما يجري من حوار وما سينجم عنه من نتائج.
نعم.. الكل مُنتصر في اليمن بقدر استمرار التوافق والتنازلات المتبادلة، والكل منهزم إذا ما تم الارتكاس إلى ثقافة الماضي السياسي.
Omaraziz105@gmail.com