كان المفكّر الراحل عباس محمود العقاد من أشد المعجبين بتراث الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي، وخاصة لجهة المسافة التقليدية الفاصلة بين صوفيّته ونزعته الفلسفية، بل إن العقاد كان يعتبره فيلسوفاً مخضرماً، قادراً على مُناجزة فلاسفة عصره بذات الأدوات الفلسفية التي تبدَّت ناصعة السطوع في مؤلّفه المهم بعنوان «تهافت الفلاسفة» الذي أومأ فيه الغزالي إلى الفلسفة بعامَّة، وليس إلى فيلسوف بذاته.
ويرى العقاد أن الغزالي لم يكن يعتدُّ بالمنطق الفلسفي العقلي إلا بقدر مجاورته للذائقة والنظر الناجمين عن التَّروْحن، ولهذا السبب قدَّر أن في صوفية الغزالي ما يتجاوز نموذج التصوُّف الشعبي الاستيهامي المَمْسوس بقدر كبير من التداعيات الاستنسابية الشكلانية، رائياً في ذات الوقت إلى معنى العرفان في صوفية الإمام.
ما يهمنا في رؤية العقاد تجاه الغزالي هو أنها رؤية نابعة من استسبار مقرون بقدرٍ كافٍ من «الانفصال والاتصال» بين البرهان والمِثال.
كما أنها رؤية تؤكد مجدداً القيمة الأساسية التي يمنحها العقاد لقامة من قامات تاريخنا وثقافتنا، ناظراً إلى كامل الجدل الخلَّاق الذي خاضه الغزالي بروحية مُتطلعة، وإبحارات رشيقة، وانسيابات ناعمة تخلو من التطرُّف، وتؤكد معنى الوسطية، وتضع النقاط على الحروف حول جملة من القضايا الإشكالية في تاريخ الثقافة العربية الاسلامية، وخاصة ما يتعلّق منها بجدل الكلام والفلسفة والمنطق ومقتضيات السعادة والطمأنينة الإيمانية واليقين بالغيب.
Omaraziz105@gmail.com