مما لاجدال فيه بأن أبي العلاء المعري يمثل محطة كبرى في تاريخ الفكر البشري المجبول بمشقة التعاطي مع الظواهر بشكليه المجسم والمجرد ، كما أن عزلته التأملية الفلسفية جعلته يلامس الجواهر والمكونات حد التطير المقرون بالمعرفة العالمة ، حتى أنني أزعم أن هذا الرائد الكبير للفكر العقلي لم ينل مكانته الضرورية في ثقافة التدوين التاريخية العربية الإسلامية ، ولا أود في هذه العجالة التوقف أمام ملاحمه المعرفية الكبرى في اللزوميات ورسالة الغفران وكتاب الأيك والأغصان، بل الإشارة فقط إلى طرف من رؤاه المفاهيمية الدلالية التي استبق فيها عصره ، ومنها قوله اللماح حول ماهية البشر التي تعيدنا إلى اكتشافات داروين اللاحقة . قال المعري:
والذي حارت البرية فيه
حيوان مستحدث من جماد
وفي معرض تقييمه لأديان الضرورة الموضوعية قال:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وبهذا المعنى يقطع الطريق على المتعصبين القائلين بأنهم الوحيدون الناجون ، وأن البقية الباقية على ضلال مبين .. اعتد المعري بالعقل ، معتبراً العقل إمام العارفين ، وقدوة المهتدين، وسبيل الرائين، حتى أنه تطير في معرض حديثه عن متعصبي الأديان .. المفارقين لمعنى الرسالات السماوية ، محاججاً لهم بالعقل حتى أنه قال:
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر دين «بتشديد الياء وفتحها» لا عقل له
والمقصود المتدين وفق ظاهر الشريعة لا باطن التأمل والتفكر ، والله أعلم.
Omaraziz105@gmail.com
طبقة جديدة...
طبقة جديدة...