أتذكر ما كان يقوله أستاذ الجغرافيا الاقتصادية من أن لكل أرض قيمة خاصة، وقدرة استثنائية على إنتاج ما ليس متوفراً في مكان آخر، ولهذا السبب كان حديثه عن الصيغ اللامركزية في التنمية، مقروناً بكيفية الاستفادة من هذه الميزات النسبية، ذلك أن البشر بطبيعتهم يتحلّقون حول موائد الشَهد والعسل إن لم يكونوا مُلزمين بالبحث عن إعادة إنتاج حياتهم الطبيعية في بيئتهم الخاصة، والشاهد أن المركزيات المالية والإدارية لنماذج الدول المُقيمة في الماضي توفّر كامل الأسباب لتكدُّس الناس في العواصم والمدن الكبرى، كما هو ماثل في مصر العربية. بل في جل البلدان العربية الغارقة حتى مخ العظم في مركزياتها، وبالمقابل يؤدي هذا النمط من الإدارة والتسيير إلى إغلاق باب العمل والاستثمار في المناطق المختلفة ذات الأفضليات النسبية.
إذا تجولت في العواصم العربية الكبرى، ستكتشف دون أدنى ريب ما آلت إليه الأمور من فداحات، حيث يتكدّس ما يقارب ربع السكان في تلك العواصم، ولك أن تطل من قمة جبل قاسيون مساء لتشهد أنوار دمشق الممتدة على مدى البصر، لتكون حاضناً ليلياً لحوالي ربع سكان البلاد . أما القاهرة فحدِّث ولا حرج .
من محاسن الأقدار أن المدن اليمنية خارج العاصمة تشهد نمواً ملحوظاً ، ولعل وتيرة النماء المتاحة في عدن والمكلا مؤشر إيجابي يستحق الالتفات، وليس لنا أن نمنح هذه المدن وغيرها قابلية التوازي كحاضن شامل للنماء إلا بتفعيل الحكم المحلي بغض النظر عن المسميات والتخريجات الاصطلاحية.
قال الحكيم الصيني «دينغ تسياو بنغ»: ليس مهماً ما لون الهرة .. بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران .
Omaraziz105@gmail.com